آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

الناقد الحميدي: الحديث عن ذائقة المتلقي لايعني رفضًا للشاعر

جهات الإخبارية جمال الناصر - القطيف

أكد الناقد الأدبي محمد الحميدي على فنية الشعر جماليًا في التعبير الذي يلتزم بالأسس الموضوعية، واختلافه عن الخطابات المُختلفة.

وبين إذا كان الشعر الغزلي ذاهبًا في اتجاه الذات، التعبير عن المشاعر، فإنه لا يعني خلوه من الجمال الفني في الصياغة، التركيب، ولا يعني أنه سيجد قبولاً من جميع المتلقين، مُشيرًا إلى أن القارئ أو المستمع يمتلك ذوقًا يتحسس به الفن، مُوضحًا حين يغيب الذوق تتوقف ذاته عن استقبال الجمال الفني.

وذكر أنه ينبغي على ذائقة المُتلقي أن تنسجم مع القضية التي يطرحها الشاعر كونهما لا ينفصلان، وقال: إن الاهتمام بالقضية يكمن في الاهتمام بكل ما يثار حولها وقبوله في النهاية ليشكل تراثًا ممتدًا يصل إلى الأجيال التالية، مُوضحًا أن الحديث عن ذائقة المتلقي لا يعني رفضًا للشاعر وعدم قبول شعره حينما يُختلف معه، ويجب إبعادها عن ذهن المُتلقي.

وقال: ”الفنية في الكتابة مختلفة عن الخطابات العادية المنثورة، أما الجماليات باقية“.

جاء ذلك في القراءة النقدية ”نحوية العنوان“ لأربعة دواوين أصدرها الشاعر حسين الجامع، وهي: «بسملة في سورة العشق، دموع القوافي، إلى حيث أنت، وليال عشر».

وسلط الضوء على الإصدارات الشعرية، وبعض القضايا المتصلة بالأدب الملتزم، حيث انحصاره في قضية يظل على الدوام مدافعًا عنها.

وأشار إلى أن الدواوين تلتزم منطقًا واحدًا قولاً شعريًا، مُوضحًا أن هذا النوع من الشعر ينبغي البدء من النقطة التي يتفاعل معها ويتخذ خطابه على أساسها.

وبين أن الالتزام الشعري - حصر الخطاب - القول في جهة محددة لا يُغادرها ليس ثيمة طارئة في زماننا بل بدأت منذ القدم حيث الاختلاف، التمايز حول المواقف، الانقسامات الحادثة، مُنوهًا إلى أن تكريس الشعر لنوع من الالتزام إلا تأكيدًا للفرق بين الموقفين أنهما ينقسمان إلى حق وباطل.

وذكر أن تسليط الشعر بصورة جمالية للقضايا ويتناول الحدث كمسلمة ثابتة في الوجدان، حيث تنغمس الذات في الحدث إلى أن يستولي الحدث على الوجدان، فلا يعود بعدها للذات الشاعرة وجود داخل القصيدة، وقال: ”هذا اختصارًا ما يحدث في الكتابة الشعرية الملتزمة، إلا أن تأتي لتأكيد موقف ما؛ هو“ موقف ”ثابت منذ بداية الكتابة“.

وأوضح أن الشعر الملتزم بقضية ما يبدأ أولاً من إيمان الشاعر الإنسان بتلك القضية بأنها مصيرية في وجوده وحياته تتوقف عليها، لا يمكن له مغادرة المنطقة أو الدائرة التي سنتها له القوانين الاجتماعية أو الثقافية أو الدينية، أو القوانين المركبة المجتمعة جراء تراث طويل - خبرة متراكمة -.

وأكد أن أهميتها لا تنحصر بشخصه بل تتجاوز إلى المجتمع وربما إلى العالم الواسع، لافتًا إلى أن هناك الأمثلة القديمة الحديثة على الالتزام الشعري؛ كشاعر يدافع عن فنه الغزلي، يوقف قوله - خطابه عليه -، لذا سوف يشتهر بين الناس بالشاعر الغزلي، آخر امتهن المعارك - الحروب -، جاء شعره حماسيًا، آخر التزم فلسفة من الفلسفات، أصبح مدافعًا عنها عرف بالتشاؤم أو التفاؤل، أو الوجودية.

وقال: هكذا تتنوع الالتزامات بين الشعراء، يستفيق في الصباح الباكر؛ ليكتب قصيدة يدافع بها عن فنه، عقيدته.

وأشار إلى أنه في المنظور الإسلامي ثمة الكثير من الشعراء الملتزمين؛ كحسان بن ثابت شاعر الرسالة، مجنون ليلى شاعر الغزل العذري، النفري شاعر الوجد الصوفي.

وبين أن الالتزام يأتي من الإيمان بقضية نفسية كالحب أو اجتماعية كالتفاؤل أو ثقافية كالنهوض بالأمة الإسلامية أو دينية كالأدب الداعي إلى نشر الإسلام في الآفاق.

وأضاف: إن الأسباب عديدة النتائج هي نفسها على المستوى الشعري؛ تعنى بغياب الذات الشاعرة اندماجها في القضية، غياب ملامحها - مظاهرها - الاكتفاء بالتفاعل مع القضية المؤمن بها إلى أن يصبح الشاعر، القضية شيئَا واحدًا، لا يجوز التفريق بينهما، يعرف أحدهما بالآخر.

وذكر أن النص يحتوي جزئين أساسيين، جزء لغوي وثقافي، مشيراً إلى إن الجزء اللغوي يتمثل في ألفاظه وتشكيلاته، أوزانه، قوافيه، صرفه، نحوه، صوته، فيما يتصل الجزء الثقافي بموضوعه؛ حيث يمثل حلقة من حلقات متلاحقة متصلة في الموضوع ذاته، استوفى القدماء بعضها، يستوفي الحدثاء البعض الآخر.

واقترح هذا المنهج لمقاربة الأدب الملتزم مهما كان التزامه، وقال: ”أن نعتمد الأسلوبية الحديثة بمعناها اللغوي، الثقافي، مع عدم إهمال الجانب الانفعالي الوجداني، حينما يستدعي النص ذلك، عدم إهمال جانب المقام، الحال طالما يمكننا المقاربة عبرهما“.

وذكر بأنه بعد الجولة في الأدب الملتزم، المنهاجية النقدية، وصل إلى المقاربة الفنية لعناوين المجموعات الشعرية للشاعر، هي: ”بسملة في سورة العشق، دموع القوافي، إلى حيث أنت، ليال عشر“.

وبين أن ”بسملة في سورة العشق“: يتكون من جملة خبرية، يجعل البسملة ابتداءًا، ثم يأتي بالخبر ”في سورة العشق، مُشيرًا أن هذا التركيب اعتيادي - مألوف -، لا مشقة في بلوغ معناه، فالديوان بتمامه وكماله مجرد بسملة افتتاحية، أما ما بعدها، فإنه إشارة إلى الجانب النفسي الداخلي، وقال: حينما يصف الهدف النهائي، يُخبر عنه بأنه“ سورة العشق".

وأشار إلى أن الديوان يُقدم أكثر من إشارة إلى العنوان؛ حيث تشير في مجملها إلى الخط الولائي، الذي يلتزم، وقال: إن الشاعر لا يخرج عن نهجه الشعري، لا يفارق التزامه الموضوعي، مُبينًا أن هدفه من الكتابة محدد، يستثمر طاقاته الإبداعية في التعريف والترويج لفكرته التي يؤمن بها، يدافع عنها.

وسأل سؤالا إشكاليًا عن تشظي الدلالة في العنوان؛ أهنالك ثمة تشظٍّ فعلي اعترى المعنى، حرف الدلالة المركزية عن بؤرتها داخل تركيبة العنوان، مُشيرًا إلى أنه إذا انحرفت الدلالة سيصاب المتلقي بالتشتت، سوف تتبعثر الدلالة في ذهنه، هل ثمة ”ربكة“ على المستوى الدلالي.

وقال إن هناك ثمة عقد قرائي غير مكتوب بين الكاتب الشاعر والمتلقي، بموجبه يتم تأويل الدلالة تاركًا للمتلقي حرية الاستجابة في التأويل، منوها: ”لا يعني ذلك أن التشتت انتهى بل هو باقٍ، ولكن المتلقي الذي لا يُدرك التزام الكاتب ليس بينه بين الشاعر عقد قرائي، وبطبيعة الحال العقد القرائي لا يتم الإفصاح عنه يظل طي الكتمان؛ حيث يُعتبر تحايلاً على اللغة على الرقيب الثقافي بداخلها“.

وأشار إلى أن الإصدار الثاني للشاعر ”دموع القوافي“ يركز فيه على قضية كربلاء، ما حدث فيها من أسى ً وانتهى باستشهاد الحسين ومن معه.

وبين أن ”دموع القوافي“ لا ُيضيف جديدًا على المستوى التركيبي، كما أنه يتناص مع مجموعة كبيرة للغاية من العناوين المشابهة، التي وردت في التراث، سواء أذكرت صراحة أم لم تذكر، جملة ابتدائية يخبر بها عن حال القصائد، تفتقر للخبر الذي يتم تقديره بكائن أو مستقر، وقال: لعل الصياغة الأنسب لتوضيح العنوان تتمثل في ”دموع القوافي“ مستقرة في قصائد الديوان.

وذكر أن الإصدار الثالث ”إلى حيث أنت“، جاء فيه تركيب مشتمل على محذوف - مُقدرًا -، يبدأ بحرف الجر ”إلى“ الذي يقوم بجر الظرف ”حيث“ الذي بدوره يجر ”أنت“، تركيب يتسم بالإضافة، مُوضحًا بأنه لا يتضح المعنى إلا بمعرفة المجرور.

وتابع: ثمة فائدة نحوية تقدمها الجملة الابتدائية حيث المعنى لا يصبح تامًا إلا بوجود الخبر، وقال: في لحظتنا الراهنة لا زلنا نبحث عن تركيبة العبارة أهي فعلية أم اسمية، نستبق الإجابة بما أن العبارة غير محتوية على فعلٍ، فهي جملة اسمية لتأتي البداية في تحديدها وإيجاد المحذوف وتقديره كي يتم المعنى.

وفي الإصدار الرابع ”وليالٍ عشرٍ“ بين أنه يتناص مع سورة الفجر، مُشيرًا إلى التلازم بين كربلاء الحسين والليالي العشر، مُبنيًا بأنه تلازم ثقافي، يبدأ في الليلة الأولى من شهر محرم الحرام لينتهي في ليلة عاشوراء، حسب الثقافة الموروثة المتداولة يتم تقسيم الليالي بتخصيص ليلة لكل شخصية من الشخصيات التي شاركت في معركة الطف.

واختتم الناقد الأدبي محمد الحميدي القراءة؛ بأن الأدب الملتزم يكمن في امتلاك قضية يؤمن بها الأديب يظل متمسكًا بها حتى نهاية حياته، مُشيرًا إلى أنه ربما ينتقل منها لأخرى.

وأكد أن أن الأديب لا يحتاج إلى رأي الأدباء في فنه بل يتجه إلى أهل الاختصاص في قضيته، مثلما حدث في إسناد التقديم إلى فضيلة الشيخ؛ رغبة في إضفاء المشروعية على تجربته.

وأشار إلى أنها تنتمي فعلاً إلى سياق القضية، كذلك طريقة البناء التركيبي للعناوين وانتقالها من الوضوح والتناص، وقال: بمحاولة السلوك بها نحو منحى إخفاء الدلالة، لكن التجارب المتلاحقة والالتزام بالقضية يكشفان المعنى ويرجعان الدلالة إلى أصلها.

ونوه إلى ثمة تحول في ذهنية الشاعر يتوافق مع تجربته الشعرية ورغبته في تنويع التعبير، وقال: ”أظننا أدركنا ذلك عبر ممارسة القراءة النحوية للعناوين“.