تحسين مستوى معيشة المواطن.. وصفة «دافوس»
الوصفات «الأوربية» الملفوفة بطراوة الثلج المتراكم على الجبال، لها طعم مختلف، لا يعدو - في تقديري - تعليبا لوصفات قديمة «مملة»، لكن أُعاد عرضها السيد «شواب» بعبقرية الانتقاء وإبهار الأضواء ورخامة الصوت واللكنة وسلاسة اللغة ومفرداتها الفخمة. في العام الفائت خرج لنا بالثورة الصناعية الرابعة، فأصبحت حديث من لا حديث له، رغم أن البشرية مشغولة بمفردات هذه «الثورة» على مدار الأربعين عاما المنصرمة، أما «شواب» فقد علب عناصر «الروبات» و«انترنت الأشياء» و«الذكاء الاصطناعي» وجملة أمور أخرى، ليصبح حديث منتداه هي - في ظن البعض - الثورة الصناعية القادمة! القادمة من يا أخينا؟! نحن فيها قلبا وقالبا، ومن يدركها فقط فاته «القطار»، وسيبقى يركض خلف الثورة الرابعة، كما ركض - ولا يزال - خلف الثالثة من قبلها.
في نسخة هذا العام من دافوس، لم تتغير العبقرية ولا الأجواء، لكن فيما يبدو فقد عاد الحديث للأرض، وإلى المفاهيم الاقتصادية البديهية، ليعاد طرحها من جديد، بقالب مُبهر، وأمام حشدٍ عالمي مؤثر ويؤثر على مجريات الأمور في جنبات العالم، بما يجعل الرسالة تصل بجلاء وفي قالب أدعى للقبول! ولا مجال للاجتهاد والتخيل، فقد جاء العنوان العريض لاجتماع دافوس هذا السنة «2017» مكللا بالتواضع والواقعية، «القيادة المستجيبة والمسئولة».
أما ما يمكن وصفه بالواقعية والتعقل من قبل القائمين على دافوس، فهو إقرارهم بأن وسيط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ل 26 اقتصادا رئيسيا في العام قد تراجع بنحو 2.8% خلال الفترة 2008 - 2013، مما أدى إلى «تزامن انحسار الأمان والمساواة في عصر التقانة والعولمة»! ودعوتهم بلدان العالم للاعتماد على مؤشر «الشمول الاجتماعي» وزيادة الانفاق على التدريب لتبديد فجوة ألا مساواة، ودعوتهم دول العالم لتتبع مؤشرات امتداد العمر ومعدل الإنتاجية ومعدل الفقر لتصبح الأكثر تأثيرا في صياغة السياسات الاقتصادية تمنع المزيد من التراجع في مستويات المعيشة. وما يعزز واقعية استنتاجات تقرير دافوس لهذا العام «2017» دعوته لدول العالم لإعطاء الأولوية للتعليم ولتجسير الهوة بين الجنسين ولانسيابية الانتقال من الدراسة للعمل وللتوسع بين تحسين البنية التحتية.
ووصولا لمجموعة البلدان التي شملتها الدراسة، فقد نشر دافوس تقريرا حول أداء وترتيب الدول في «مؤشر التنمية الضامة «أو الشاملة» «inclusive development index» ولفت نظري عدم وجود المملكة ضمن قائمة الدول احتسبت قيمة مؤشرها، وهذا أمر يدعو لإثارة سؤال، هل كان السبب عدم توفر المعلومات أم ماذا؟ ولعل من المفيد أن تقوم الجهات الإحصائية المختصة باحتساب قيمة المؤشر للمملكة ومضاهاته بباقي الدول، والسعي لاعتماده كمؤشر لقياس التنمية الاجتماعية - الاقتصادية في وطننا الغالي. وليس ذلك أمرا عسيرا باعتبار أن كل العناصر المطلوبة لاحتساب المؤشر متوفرة.
وعلى صلة بما يثار في دافوس هذا الأسبوع، فلعل من الملائم معاودة الحديث عن مؤشر «التطور الاجتماعي»، هو مؤشر على مستوى الدولة، يتناول التأثير الاجتماعي «وليس الاقتصادي» لما يُنفق، حيث يشمل مؤشر توفر الاحتياجات الأساسية إضافة لمؤشر جودة الحياة ومؤشر تكافؤ الفرص. والمحاولة الأولى لاحتساب قيمة مؤشر التطور الاجتماعي للدول كان من قبل مجموعة من الجامعة المرموقة «معهد ماساتشوستس للتقنية»، لتحل النرويج في المرتبة الأولى. والنقطة هنا، ليس احتساب المؤشرات كهدف بحد ذاته، بل لبيان أن المؤشرات هي أدوات لتتبع الأداء في نواحٍ محددة، وقد قضينا ردحا من الزمن نركز الأنظار على قياس الناتج ونصيب الفرد من الناتج، ولا بأس في ذلك، لكنها مؤشرات غير كافية، حيث إنها لا ترسم ملامح واضحة للواقع، إذ يبدو أن ما يحدد قسمات الواقع هي مؤشرات تتصل بجودة حياة الفرد اجتماعيا ودراسيا ووظيفيا وانتاجيا وصحيا! ولذا، فإن قياس هذه المعاير، وضمها في محصلة واحدة، ودفعها لمقدمة لوحة اتخاذ القرار يساهم مساهمة فعالة في تحسين مستوى المعيشة، من خلال إضفاء نظرة متوازنة في توجيه التنمية ودفع النمو، بالنظر لما هو أعمق من مجرد بيانات نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى العناصر البانية للنمو والمؤثرة فيه والتي تتمحور حول تنمية الفرد واحتضانه ليصبح أكثر إنتاجية وعطاء.