آخر تحديث: 12 / 12 / 2024م - 2:26 ص

الأمن والخوف

ميرزا الخويلدي * صحيفة الشرق الأوسط

كيف يمكن فرض الأمن دون التضييق على حريات الناس وإفساد حياتهم..؟.

هذه معضلة حقيقية، وليست نظرية افتراضية!. لا مناص - أولاً - من الاعتراف بأن الأمن حاجة، بل ضرورة لحياة الناس واستقرارهم، حتى إن الفيلسوف البريطاني توماس هوبز «1588 - 1679» يرى أن «الأمن هو الأكثر أساسية بين جميع القِيَم الإنسانية. إنه الأساس المتين الذي نعتمده لبناء صروح حيواتنا الفردية والجماعية».

نظّر هوبز لما يسميه القوانين الأخلاقية، التي يرى أنها كامنة في الإنسان رغم نزوعه أصلا لتغليب «المصلحة الذاتية»، التي تقوده إلى المرحلة «الهمجية» «ما قبل المجتمع»، ولذلك فهو بحاجة إلى سلطة حاكمة تفرض القوانين وتلزم الناس التقيد بها. لكنه يضع إطارًا أخلاقيًا يحصر استخدام السلطة من أجل «ممارسة العدل والمساواة بين الناس، من دون اللجوء إلى الحقد والكراهية والهمجية».

يعتبر هوبز أحد مؤسسي نظرية العقد الاجتماعي، وهو أعطى الاهتمام لدور الدولة وتكريس سيادتها باعتبارها راعية الاستقرار. وَجَدَ أن السلطة يمكنها أن توفر الأمن وتنزع الخوف. الخوف الذي وُلِدَ معه، كما يقول: «لقد وضعت أمي توأمين: أنا والخوف»، في إشارة لمولده مبكرًا على إثر نوبة ذعر أصيبت بها والدته عندما بلغها غزو الإسبان لبلادها. وبالمناسبة فقد كانت تلك الحرب المذهبية بين إسبانيا وإنجلترا بين عامي 1588 - 1604، أبشع الحروب الدينية التي شهدتها أوروبا، نهاية القرن السادس عشر. «ثمة فيلم تاريخي يروي فصولاً من هذه الحرب الدامية هو: «Elizabeth The Golden Age «إليزابيث: العصر الذهبي»».

الشاهد أن الأمن ضرورة لاستقرار المجتمعات، لكن بأيدينا أن نجعل الأمن سلمًا نصعد به للاستقرار والاطمئنان، أو نجعله وسيلة للخوف والخضوع. نعلم أن الأمن مختلف عن الخوف وهو النقيض الطبيعي له «الَذِي أَطْعَمَهُم مِن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِنْ خَوْفٍ» «الآية».

مرة أخرى هذه معضلة حقيقية، حتى في الولايات المتحدة وأوروبا أصبحت الإجراءات الأمنية مصدرًا لتعكير حياة الناس وانتهاك خصوصياتهم، أصبح الخوف مبررًا لقبول إجراءات من قبيل التفتيش الذاتي والاطلاع القسري على أجهزة الحاسب والهواتف الذكية لتحديد سلوك الأفراد ومن ثم التعامل معهم بناءً على الانطباع الذي يتولد لدى المفتشين.

الأسبوع الماضي عدتُ من رحلة قصيرة إلى مصر، قضيت سبعة أيام بين القاهرة وشرم الشيخ، لا يمكنني أن أحصي عدد المرات التي خضعتُ فيها للتفتيش الذاتي، والإلكتروني، خاصة قبيل الدخول أو الخروج من أي صالة من صالات المطارات، أو الفنادق، مع وجود عناصر مسلحة، وحواجز أمنية، وسواء كان ذلك معتادًا كما في صالة السفر، أو غير معتاد. لا أحد يلوم مصرّ التي يعتمد اقتصادُها على السياحة، وتعتمد السياحة على توفير الأمن، وهذه الصناعة تعرضت لضربة قاصمة قطعت أرزاق الآلاف من الناس، لكن مرة أخرى، يمكن اتخاذ كافة السبل والتدابير الأمنية وخاصة الذكية دون إشعار الناس بالمهانة والتسبب لهم بالضيق وتعكير صفو راحتهم. الناس بطبيعتهم متعاونون، ولكنهم ينفرون حين تصبح الإجراءات عبئًا، أو مصدرًا لمزيد من الخوف والقلق، أو مدعاة للانكماش والانطواء والعزلة.