عهد الرئيس أوباما ما له وما عليه
في الوطن العربي، كانت فترة الرئيس أوباما وبالا على كثير من قضايانا، خاصة أن سنوات رئاسته ارتبطت بالربيع العربي، الذي يعتقد كثير من المحللين السياسيين أن إدارة أوباما لم تكن بعيدة عنه
في يوم الجمعة المقبل، الموافق 20 يناير 2017، سيغادر الرئيس أوباما البيت الأبيض، ويحل محله في سدة الرئاسة دونالد ترمب، بعد أن يؤدي اليمين القانونية. وسيسجل التاريخ له أنه أول أسود يتسلم الموقع الأهم في العالم، وأنه تمكن من الاحتفاظ به في دورة رئاسية ثانية.
والحكم على سياساته لن يكون خارج إطار الأحكام الإنسانية المعتادة، لكل من قدر له تسلم الموقع الأول، في أي بلد من بلدان العالم. فهناك دائما أناس سعداء وموالون، كما يوجد منتقدون ومعارضون، وتلك سنة الكون.
في السياسة هناك أشخاص رابحون، وأشخاص خاسرون. ولا يوجد برنامج سياسي يمكن أن يجمع عليه الكل، وإلا فقدت السياسة معناها، كونها منهجا براجماتيا، يستند على المساومات والتسويات، وفي النهاية فن الممكن.
الحكم على أداء الرئيس أوباما خلال السنوات الثماني المنصرمة، لن يكون منصفا وعادلا، ما لم نضعه في البيئة التي تسلم فيها الرئيس سدة الحكم. وأيضا الوضع السياسي الخاص للرئيس نفسه، بما في ذلك موقعه في الحياة السياسية. وينبغي أن تكون المحاكمة على أساس مدى التزامه بالبرنامج الانتخابي، الذي وعد بتنفيذه بعد انتقاله للبيت الأبيض. هل كان وفيا لذلك البرنامج، إن الأحداث التي جرت أكدت عدم التزامه ببرنامجه الانتخابي.
البيئة التي تسلم فيها الرئيس أوباما الحكم هي بيئة مليئة بالمعضلات والتعقيدات. فهناك جيوش أميركية متواجدة في حينه بكثافة في أفغانستان والعراق. وفي هذا السياق، ميز أوباما، بين وجود الجنود الأميركيين في أفغانستان وبين وجودهم في العراق. فأشار إلى أن ما جرى في أفغانستان فرضته ضرورة مواجهة الإرهاب، وإلحاق الهزيمة النهائية به، وأنه لم يكن هناك محيص عنه. أما في العراق، فإن قرار احتلال العراق كان خاطئا، ووجود الجنود الأميركيين في العراق هو قرار خاطئ، وقد وصلت كلفته إلى ما يقرب من التريليونين من الدولارات.
ومع هذا التمييز، تضمن برنامجه الانتخابي قرار سحب الجيش الأميركي من البلدين، مع إعطاء أرجحية للانسحاب أولا من العراق.
قرار الانسحاب من العراق ليس هناك غبار عليه، لكن الطريقة التي جرى تنفيذه بها أحدثت فراغا عسكريا وسياسيا كبيرا، استثمرته إيران بطريقتها وسارعت لملئه. فكان من نتائج ذلك، تكريس العملية السياسية التي دشنها المحتل الأميركي، في السنة الأولى للاحتلال، وتصعيد النهج الطائفي البغيض، الذي اعتمد التهميش والإقصاء لمكونات رئيسية من الشعب العراقي.
المعضلة الأخرى، التي واجهها الرئيس أوباما غداة استلامه لسدة الحكم، كان الانهيار الاقتصادي، وخروج أكثر من سبعمائة بنك من الخدمة، جراء أزمة الرهن العقاري، وإفلاس المئات من المؤسسات الاقتصادية. يضاف إلى ذلك، تضاعف أعداد العاطلين، وتراجع التعليم والخدمات الصحية، وغياب الدعم للضمان الاجتماعي، واتساع دائرة الفقر.
وقد جاء برنامجه الاقتصادي متسقا مع برامج نظرائه من الديمقراطيين، حيث ركز على دعم الطبقة المتوسطة، وأعاد الاعتبار لدور الدولة، مسهما في إعادة مئات الألوف من العاطلين للخدمة المدنية.
واقع الحال أن برنامج الإنقاذ الذي تبناه أوباما، لم يشمل الطبقة المتوسطة فقط، كما هو المعتاد في برامج الديمقراطيين، بل شمل إنعاش القطاعات الاقتصادية الكبرى، والمصارف. حيث تمت إعادة تشغيل الماكينة الاقتصادية، بكفاءة في كافة المجالات. وقد تحققت نجاحات باهرة في معالجة تداعيات أزمة الرهن العقاري. ووقف الاقتصاد الأميركي مجددا على قدميه.
لكن ذلك لم يتم من غير كلف سياسية، فانهماك إدارة أوباما في معالجة الأزمات الداخلية جاء على حساب دورها في الساحة الدولية. ولأن الكون لا يقبل الفراغ، فقد وجدت إدارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في هذا التراجع الأميركي، فرصة سانحة، لكي تملأ الفراغ، فكان حضورها الملحوظ في السنوات الثماني المنصرمة، والذي أعاد حضورها كقوة عسكرية وسياسية، يحسب حسابها، عند صناع القرار على المستوى العالمي.
بالنسبة لنا في الوطن العربي، كانت فترة الرئيس أوباما وبالا على كثير من قضايانا، خاصة أن سنوات رئاسته ارتبطت بالربيع العربي، الذي يعتقد كثير من المحللين السياسيين بأن إدارة أوباما لم تكن بعيدة عنه.
وقد عزز من هذا الاعتقاد، تصريحات لوزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، التي أشارت إلى أن الولايات المتحدة دربت عددا كبيرا من الناشطين، الذين قادوا الحركة الاحتجاجية، في البلدان التي طالها الربيع العربي، تحت ذريعة دعم الاحتجاجات السلمية، المناضلة من أجل حقوق الإنسان. فكانت النتائج كارثية، بكل المقاييس. تسببت في انهيار كيانات، وتشريد ملايين العرب عن أوطانهم.
وكان الربيع خريفا بكل المعاني، ففيه تغول الإرهاب، وتمددت أعماله التخريبية إلى بلدان عربية عديدة، لم يكن للجماعات المتطرفة حضور فيها، قبل هذا الربيع الخريف.
القضية الفلسطينية أيضا تراجعت للخلف، فقد طالها هي الأخرى ما طال السياسة الخارجية الأميركية من تراجع. ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها بلاده، كان أوباما سخيا مع الكيان الصهيوني، فقد قدم لحكومة نتنياهو أكثر من 35 مليار دولار، ساهمت في التصعيد الجنوني ببناء المستوطنات، ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وتجريف منازل الفلسطينيين بالأراضي المحتلة. ولم تسهم إدارة أوباما، قيد أنملة، في الضغط على الحكومة اليمينية الإسرائيلية، من أجل التوصل إلى تسوية سياسية، على قاعدة اتفاقية أوسلو، التي صيغت في الأصل، لتخدم الأهداف الصهيونية.
نجح أوباما في الداخل، وعالج الأزمات الاقتصادية المستعصية، لكن التاريخ سيسجل أن هذا النجاح كان على حساب تراجع دور الولايات المتحدة بالخارج. لكن السؤال الذي يطرح، ما الذي كان بإمكان شخص آخر، في موقعه، أن يفعله؟ والحكم في النهاية، بما له وما عليه، متروك للتاريخ.