كم يكلفنا أن نذهب للترفيه ولا يأتي لنا؟
يقدر انفاقنا في الرحلات السياحية المغادرة للمملكة بنحو 100 مليار ريال، ومعدل النمو السنوي، وفقاً لبعض التقديرات 15 بالمائة سنويًا، وقد قدر عدد من غادر من السعوديين في العام 2015 بنحو 4.5 مليون، فهل يستمر ترحالنا بهذه الوتيرة سعيًا للترويح والترفيه، وشغفنا بمدن خليجية جميلة مثل المنامة والكويت، ودبي وما أدراك ما دبي؟ قبل فترة كنت في زيارة لمدينة الملك عبدالله الاقتصادية، أخذت أتأمل إطلالتها على البحر الأحمر، وزرقة المياه، وبدايات مدينة جديدة واعدة، وأتساءل: لماذا لم تأسرنا هذه المدينة كما ما حولها من مدن الخليج العربي؟ لعل بسبب الهدوء الشديد؟ أم بسبب أنها مازالت تحبو في بداياتها الأولى؟! الآن، وبعد أن شاهدنا أن الدعم الحكومي يتغير، وأن على الفرد منا أن يتحمل العبء، فهل يغير ذلك أولويات الصرف، ليتجه نحو الادخار، ويبحث عن الخيارات الأكثر قيمة مقابل المال، لاسيما الخيارات المحلية. لكن أين الخيارات المحلية؟ وهل هي مغرية سعريًا؟ وهل تحمل ذات القدر من المتعة والترفيه للأسرة فرداً فرداً؟
هل تذكرون عطلة عيد الأضحى الماضي، وكيف تدفقنا أكوامًا إلى البلدان الشقيقة المجاورة، فقط لقضاء ساعات أسرية جميلة، ولمشاهدة فيلم سينما سوياً، ولتناول وجبة في مطعم خمسة نجوم، ليس بأسعاره بل بخدمته! هناك من ينظر للأمر بسطحية وشخصنة، في حين أن إرسال ملياراتنا هنا وهناك دون اكتراث قد أصاب حسابنا الجاري بإنهاك شديد، فالجميع يحول ويحول ويحول! هناك من يسفه الأسر التي تذهب لدبي والمنامة بأنها ترتحل من أجل السينما! اقرّ ان شريحة واسعة ممن يسافر لم يقصد السينما تحديدًا، لكن السينما كانت سببًا لبعضهم. وعلى كل حال، فليس مفهمومًا في وقتنا الحاضر لماذا لا توجد مسارح عامة للسينما هنا، ومنذ عرفت الدنيا أسمع أحدا يقول أن الأمر قادم. شخصيا، لست على عجلة من أمري، لكني أُشفق على دراهمنا، وعلى حساب المدفوعات والحساب الجاري، الذي وإن كنا اتخذنا إجراءات تقشفية إلا أن انفاق الأموال في الخارج يبدو أن لا أحد يعيره اهتمامًا اسعافيًا! الموضوع أن منع الدولار من الخروج يعادل استقطاب دولار من الخارج. إذاً لماذا لا نتبع المقولة الرائعة «دهنا في هريسنا»، فنسعى قدر المستطاع لتوفير خيارات ترفيه محلية، علماً بأن الأسر السعودية متدينة ومحافظة ولا ترضى عن ذلك بديلا، فهذه طريقة حياتنا وخيارنا، وهو ليس محلا للأخذ والرد أو المزايدة؟ أظن أن الأمر الذي يكلف اقتصادنا الوطني عشرات المليارات، يستحق إجابة جادة ومسهبة ومدروسة وقابلة للجدولة لكي تنفذ، إذ من الصعب تفهم أن يأتي الضغط من كل الاتجاهات، ثم نتعامل بأريحية تامة مع تصدير دولاراتنا للخارج! فإما أن تتسق الأمور جميعاً أو كما يقول التعبير الشعبي «ما سوينا شي»!
لطالما ناقشنا خيارات الترفيه المقبول اجتماعيًا، وهل الغياب ناتج عن منع أم أن أحداً لم يتقدم بطلب مثلاً لافتتاح صالات تجارية لعرض الأفلام السينمائية؟ عندما أذهب لدبي أو للبحرين لمشاهدة السينما اصادف أعداداً من السعوديين «فرادى وأسر» هناك، مما يعني أن هذه الخدمة «عرض الأفلام السينمائية» لها زبائن يعيشون بيننا. ومع توفر التقنيات فبوسع من يريد مشاهدة ما يريد في منزله او مكتبه او استراحته أو حتى في سيارته وعبر جواله، بل أن التلفزيونات المتوفرة حالياً في السوق مهيأة لتنزيل مواد من الانترنت لمشاهدتها سواء مقاطع من «يوتيوب» أو أفلام وثائقية أو درامية متاحة عموما او أفلام تجارية تباع حقوق مشاهدتها عبر الانترنت، ولا ننسى أن «نتفلكس» وصلت للشرق الأوسط وستكمل الناقص!
وكما ذكرت في هذا الحيز مراراً سابقاً، فهناك من يجهز قاعة كاملة للسينما في بيته بتقنيات امتصاص صدى الصوت وتوزيعه وشاشة كبيرة فائقة الوضوح ومقاعد للمشاهدة. لكن ليس بوسع الجميع الحذو حذوه، فكما نلاحظ أن خيار السكن يتجه للشقق وللمساكن محدودة المساحة، كما أن الأسر الفتية تسعى للادخار والتوفير علها تتمكن من توفير الدفعة الأولى لتمويل شراء «عش سكني». وهكذا، ومع اكتساح تقنيات الاتصالات لأدق تفاصيل حياتنا وعبور المحتوى الرقمي لكل الحدود الوطنية والاقليمية بما يتجاوز أي رقابة أو منع إلا ما يختار الشخص أن يمتنع عنه، فيصبح عدم السعي حثيثاً لتوفير خيارات ترفيه عامة، بما في ذلك صالات عامة للعرض، أمرا غير واضح الدلالة والقصد؛ ذلك أن بوسع من يريد مشاهدة ما يريد أينما وكيفما يريد. وفوق كل ذلك فإن الترخيص لصالات عرض عامة سيوفر خدمة عليها لها سوق مزدهرة وعليها إقبال محلي. وبالتاكيد، فيمكن منح تراخيص لصالات عرض محلية وفق ضوابط للاطمئنان للجوانب ذات الصلة بالأخلاق والسلوك، وبذلك نبقي أموالنا هنا، وبمكوث الأموال هنا، وتوفير مزيد من فرص الترويح والترفيه لنا ولأسرنا محليًا، فنحن نتعامل مع نشوء قطاع اقتصادي يساهم في التنويع، ويتيح فرصا للتوظيف والاستثمار. ومهما بلغ ثراء أي منا فإنه سيلتقط القطعة النقدية المعدنية «أم ريال» لو سقطت منه، ونحن كذلك علينا أن «نلتقط» أي ريال قبل أن تغادر اقتصادنا، مادام ذلك ممكنًا.