ثقافة الالقاب
التفاخر بالانجازات العلمية، والثقافية امر مشروع، ومطلوب في بعض الاحيان، انطلاقا من مبدأ الانصاف، واعطاء كل ذي حق حقه، بيد ان التغني بالالقاب الشخصية، في كل مناسبة دون مبررات منطقية، امر مذموم، ”وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا“، فهذا السلوك الاخلاقي، يترك اثارا سلبية على صاحبه، قبل غيره، الامر الذي يمهد الطريق، امام حدوث شرخ، في جدار المجتمع الواحد، وبالتالي توفير ارضية خصبة، لحدوث خلافات شخصية، في المحيط الاجتماعي الضيق.
الالقاب مسميات، تعطي دلالات متعددة، فهناك من يستخدمها، لتحقيق مكاسب شخصية، بطريقة ملتوية، فهي تمثل وسيلة مثالية، للوصول الى المآرب الشخصية، فيما البعض الاخر يحاول الاستفادة منها، في سبيل اختراق الحواجز الاجتماعية، بهدف وضع الامور في نصابها، وتكريس واقع مختلف تماما، عن البيئة السائدة، مما يشكل مفارقة محمودة، تعود بالفائدة على المجتمع.
تلعب البيئة الاجتماعية، دورا كبيرا في تضخيم، او تقليل ثقافة الالقاب، فالتعاطي بشكل طبيعي، مع اصحاب ”الالقاب“، يمثل طريقة مناسبة، لوضع الامور في نصابها، فيما يمثل فرش السجادة الحمراء، امام هذه الفئة تضخيما، لهذا السلوك الاجتماعي، بمعنى اخر، فان البعض يحاول فرض نفسه، استنادا على تاريخ اسرته ”الغنية“، او ”ذات المكانة الاجتماعية“، دون امتلاك مقومات العوامل الاساسية، لتبوأ هذه المكانة.
الطبقية الاجتماعية، تشكل احد ابرز العوامل المساعدة، في تنامي ظاهرة ”الالقاب“، بحيث تتعامل الطبقة الغنية، بمنطق ”الالقاب“، مع الطبقات الفقيرة او المعدمة، اذ تتجاهل الانجازات العلمية التي تحققها، انطلاقا من مبدأ ”الفقير“ لا يستحق الاحترام، فهو ”ابن العبدة“، بمعنى اخر، فان التساوي في المؤهلات العلمية، بين الطبقة الفقيرة والغنية، لا يمثل سوى ورقات، لدى بعض الاسر، التي تتخذ من ثقافة ”الالقاب“، منهجا في التعامل مع الاخرين.
تشبع ثقافة ”الالقاب“ لدى البعض، بحيث تدفعه لممارسة، دور يتجاوز المساحة الممنوحة، انطلاقا من قناعة ذاتية، تعطيه الصلاحية، لفرض ارادته على الاخرين، فالاعتراضات تمثل السمة البارزة، في سلوكيات هذه الشريحة الاجتماعية، باعتبارها الوسيلة المناسبة، للاحتفاظ بالفوارق الاجتماعية، اذ تتحرك هذه الفئة بشتى الوسائل للقضاء، على المساعي الهادفة، لتقليص الفجوة الاجتماعية، بما يحقق التماسك، وتوحيد الصف الواحد، الامر الذي يتمثل في وضع خطوط حمراء، او اطلاق ”العبارات“ المسيئة، تجاه الاطراف الاخرى.
والقرآن الكريم، يتحدث عن ثقافة ”الالقاب“ السائدة، في المجتمعات السالفة، حيث يتناول هذه الظاهرة، بشكل واضح في العديد من الآيات ﴿وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ وكذلك ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ﴾، مما يعطي دلالة على وجود ثقافة، تمنع الانخراط في مجتمع الايمان، مع وجود طبقات فقيرة، في ذلك التجمع البشري.