كلنا لك يا داود ومعرض جدة للكتاب
متى ستهتم معارض الكتب بدعوتنا للحضور ومشاركة الجمهور بعدد من المحاضرات؟ فنحن لسنا خارج نطاق الطقس الثقافي، بل إنه يمكننا أن نحسن علاقة الجمهور بحضور مثل هذه المعارض
لقاء الإعلامي الكبير داود الشريان في برنامجه ”الثامنة“، مع الأطفال الأكثر شهرة في برامج التواصل الاجتماعي، بقي في مخيلتي حتى هذه اللحظة التي أدون بها مقالي، لم يفارقني صوت الطفل الأسمر الصغير ”فيصل العتيبي“ وهو يغني ”كلنا لك“ ويسأل داود الشريان، هل تريد الأغنية عادية أم مع إضافة الاسم، فطبعا الشريان طلب أن تكون باسمه، وانطلق الصبي الجميل ليغني من قلبه، من روحه، وغنى الأغنية التي حازت على إعجاب العديد من المشاهدين، والمفاجأة مشاركة الفنان ”مزعل الفرحان“ الطفل فيصل ليغني معه، بعيدا عن الاختلافات الفقهية بشأن الغناء، وبعيدا عن الجدال على مختلف المستويات. فيصل العتيبي بدا جميلا بعذوبة صوته، وإحساسه الذي يفوق عمره الزمني، حتى إنني وجدته أكثر دفئا من الفنان مزعل الفرحان، ربما لأنه بدا أكثر براءة بعيدا عن مجهودات المفسرين.
فيصل أو غيره من الموهوبين، علينا استثمار موهبتهم اللامعة، ومحاولة شغل أوقات فراغهم فيما يرغبون هم بتحقيقه، لا ما نرغب نحن بأن يكون عليه فيصل أو أي موهوب آخر، إنه اختيارهم الشخصي، وتجربتهم الحياتية القادمة، وقد انطلقت شرارة عدد من الفنانين منذ نعومة أظفارهم وشقوا طريقهم في مختلف الفنون، وحققوا شهرة واسعة، ليس فقط على المستوى المحلي، وإنما اتسعت شهرتهم لتصل أنحاء الوطن العربي، ببساطة لم يستسلموا للحروب الكارثية التي حاولت منع مواهبهم من الظهور أمام الملأ، تجاهلوا كل الأصوات والخطابات التي من الممكن أن تعيق طموحهم، وتحركوا بذكاء وفق رغباتهم وعملوا واجتهدوا على تطوير مواهبهم.
ومن ”كلنا لك يا داود“ أنتقل للحديث عن معرض الكتاب الذي أقيم مؤخرا في عروس البحر الأحمر جدة، البعض يذهب بعيدا بتصوره السلبي، حينما يتساءل وهل هناك من يقرأ حتى تقام معارض للكتب؟ متجاوزا مفهوم بناء حراك ثقافي دائم لنشر أهمية القراءة، والوعي لضرورة وجود الكتب في حياتنا التي باتت تقتصر على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يعتقد البعض أنها مصدر للمعلومات والثقافة وهذا أمر يتجاوز الحقيقة، فوجود معارض للكتاب مؤشر سليم لصناعة العقل التقدمي، كما أن لها دلالات بينية لا تخضع للفكر المحدود، إذ إن وجودها يلقي ظلالا توعويا وانتعاشا ثقافيا، ورؤية تقدمية لأي مدينة تحتضن أي نوع من المعارض التي تهتم بالفنون والثقافة.
وأجدني شديدة الحماسة لمعرض الكتاب في جدة، فهذه المدينة تعتبر ثاني أكبر مدن المملكة، ووجهة أولى في المملكة للسائح، سواء من داخل المملكة أو خارجها، وتقطن بها أعداد كبيرة من الوافدين الذين يعملون في قطاعات مختلفة، لهذا فوجود معرض للكتاب في مدينة كجدة، يعتبر رافدا ثقافيا للسكان الذين يعيشون بالقرب منها، كمنطقة مكة المكرمة والطائف والمدينة المنورة، لكن ما الأخطاء التي نتمنى أن يتجاوزها القائمون على المعرض في دورته القادمة، بإذن الله، رغم علمي بالترتيب الزمني لمعارض الكتب الدولية، ولكن من أجل إعطاء فرصة لذوي الدخل المحدود لشراء أكبر قدر ممكن من الكتب، يفضل أن يتم تغيير وقت انطلاقة المعرض، فإما أن يكون في بداية الشهر أو نهايته، حتى يتسنى للكثيرين الحصول على مبتغاهم من الكتب، في ظل توفر ميزانية مالية مع حلول الرواتب الشهرية، الأمر الآخر وهذا الأمر لمسته في معرض الكتاب في الرياض، عدم توفر عربات التسوق المجانية، ففي معرض الكتاب في أبوظبي يتم توفير عربات للتسوق مصنوعة من الورق مجانا، بدلا من احتكار البيع لإحدى المؤسسات بعينها، فتقوم باستغلال حاجة المتسوقين وتبيع العربات بأسعار مبالغ بها، مقارنة بأسعارها خارج المعرض.
إلى جانب كل ذلك، المعرض قسم بحسب الدول، كعادة معظم المعارض في الخليج، ولو أني أقترح أن تصنف دور النشر موضوعيا بحسب التخصص، كأن يتم وضع أجنحة المكتبات التي تبيع كتب القانون بجانب المكتبات المتخصصة ببيع كتب الشريعة والعلوم الإدارية والعلوم التربوية، وهكذا دواليك مع بقية التخصصات الدقيقة، حتى يتسنى للمتسوق سهولة التحرك في المعرض، بدلا من الركض هنا وهناك بحثا عن دور النشر.
والسؤال الأهم متى ستهتم معارض الكتب بدعوتنا للحضور ومشاركة الجمهور بعدد من المحاضرات؟ فنحن لسنا خارج نطاق الطقس الثقافي، بل إنه يمكننا أن نحسن علاقة الجمهور بحضور مثل هذه المعارض، وأن نكون خير معين لمن يرغب في طباعة كتاب، ولا يجد الطريقة الصحيحة في كيفية انطلاقته، فلسنا ”كخة“ حتى تتجنبنا معارض الكتب، فكتبي على سبيل المثال ضمن أكثر الكتب مبيعا، ونريد أن نشعر أنا أو غيري من الكتاب الشباب، بأنه يمكن لنا أن نلعب دورا مؤثرا في مثل هذه المعارض.