سنضحك رغما عنكم!
شن البعض حربا شعواء على تنظيم حفلة غنائية لمحمد عبده في جدة، وهولوا العذاب الذي سيحل بنا حتى باتت الحفلة المسمار الذي سيغرق السفينة بمن عليها، والمطر الحمضي الذي يذيب جلودنا ويعجن ملامحنا فلا يتميز سعيد عن سعاد!
ليس مستغربا من كارهي الحياة رفضهم لأي ملامح فرح، فهم لا يكتفون برسم تعاسة - تقطع الخميرة من البيت - على وجوههم تغير مسار من يصادفهم لطريق آخر، بل يصرون على جعل الكآبة والتعاسة وباء عاما يفتك بالبلاد، فحرموا السينما واستنكروا المسرحيات والعروض الكوميدية والأمسيات الشعرية والرقصات الشعبية والمعارض الفنية وجلسات المطاعم المفتوحة! واستبدلوا ذلك بمخيمات وعظ وإرشاد وفعاليات تكسير المعازف وأصول الحنوط وتغسيل الموتى، وفضل تذكر الموت كل ثانية والتلحف بالكفن ليليا قبل النوم! فهجرت البسمة شفاه الناس، وأصاب الإحباط الكثيرين، واجتمع على البعض زهدهم في حياة مظلمة محرم كل ما فيها مقابل آخرة تتلهف حورياتها المثيرات لاحتضانهم، فبحثوا عن أقصر طريق ظنوه موصلا لها ولو كان انتحارا في مسجد يغص بالمصلين!
إلى أين يريد هؤلاء أخذنا؟ ألم يكفهم إشغال أسرة مستشفيات الأمل على مدار العام؟ وتكاثر العيادات النفسية الخاصة؟ وتزايد المصابين بالاكتئاب؟ وسفر مئات الألوف سنويا للخارج فرارا من الاختناق، ورغبة في تجربة الحياة الطبيعية ولو بضعة أيام؟ وإلى أين يذهب من لا يملك ترف إنفاق 30 أو 50 ألف ريال على السفر كل عام! هل يدمن فعالية التهام الأكل في المطاعم حتى يسمن و» يربرب» ويصيبه السكر والضغط ويموت ويرتاح! أم يتحول لكائن استهلاكي «ينطنط» من سوق لآخر يلتقط ويكدس ما لا حاجة له به!
أمام هيئة الترفيه مهمة عسيرة جدا بل مستعصية! فبم سيجابهون هادمي اللذات ومفرقي الجماعات! وكيف سيعيدون الضحك لمن ألف الحزن واعتاد عليه!
لماذا لا يعي هؤلاء أن معارضتهم للترفيه البريء أحد أهم أسباب خسارتنا مليارات ينفقها السعوديون في الخارج! وللفارق الذي يمكن أن تصنعه فيما لو حول جزء منها للداخل، فيتوسع قطاع السياحة المحلية، وتزداد الحاجة لمزيد من العاملين فيه.
حبا الله بلدنا مقومات جذب عدة، ويمكن لاستثمارها جيدا أن يجعلنا قبلة لسياح الداخل والخارج كما نحن قبل الحجاج والمعتمرين، ولكن الخطوة الأولى في سبيل ذلك تشريع الفرح والإيمان بحقنا فيه وإقصاء من يحرمنا منه!