لا جامعة بالقطيف ولا ابتعاث ولا تذاكر!
ضمن التبريرات التي ساقتها لإلغاء تخفيض تذاكر الطيران لطلاب المدارس والجامعات اعتبارا من مطلع عام 2016، قالت الخطوط السعودية ”.. أن القرار كان لمصلحة الطلاب سابقا في ظل تنقلهم من مدن ومحافظات وقرى المملكة إلى المناطق الكبيرة للدراسة في 7 جامعات فقط، فيما الآن أصبح عدد الجامعات يغطي المدن والمناطق السعودية كافة“. إلا أن السؤال هنا؛ ماذا عن الطلاب الذين كانوا - ولا زالوا - يقطنون محافظات سعودية لا يوجد بها أثر لجامعة واحدة، وقد كانوا - ولازالوا - يتنقلون برا وجوا من منطقة إلى أخرى طمعا في مقعد جامعي يضمن لهم إكمال دراستهم؟، ولم تكتفي وحدها بإثقال المعاناة أكثر على كاهل الطلاب، فوزارة التعليم جحدت حق نسبة كبيرة من الطلاب بالمكرمة المقدمة من خادم الحرمين الشرفين قبل أشهر بضم الطلاب والطالبات السعوديين الدارسين على حسابهم الخاص في الجامعات الأميركية إلى برنامج الابتعاث، تحت ذريعة ”عدم اكتمال شروط الوزارة“!!! فلماذا سُميت مكرمة طالما تخضع لذات الشروط؟!!!!.
والمثال الأبرز هنا هم آلاف الطلاب من محافظة القطيف والذين هم في طليعة المتضررين من القرارين لعدم توفر جامعة في محافظتهم!. ويمكنني هنا أن أفصل بعض عوائدهما على محافظة القطيف وأهمية رفضنا إياهما. وهذا التفصيل يحتمل ثلاثة أمور نأمل من وزارة التعليم والخطوط السعودية أن تلتفتان لها.
أول الثلاث، ذلك حين نلتفت إلى أن أبناء وبنات القطيف هم أكبر المتضررين من قرار إلغاء تخفيض التذاكر بحكم عدم وجود جامعات تستوعبهم في المنطقة الشرقية الأمر الذي جعل أكثر من 52% منهم يضطر للدراسة خارج حاضرتهم بمسافات تتراوح ما بين 70 إلى 1500 كم. وهذا الضرر يرجع إلى أن القطيف لم تُقر لها جامعة على أرضها، وهذه النسبة في تنامي واضطرارهم للتعني للجامعات على المستوى المحلي بالجامعات السعودية أو الابتعاث لخارجها. ما يؤكد لنا أن قرار إلغاء تخفيض تذاكر الطيران لطلاب المرحلة الجامعية يستهدفهم لتضييق الخناق عليهم، والحد من جموحهم الشغوف لطلب العلم. وكانت الأسباب المعلنة في الصحف الرسمية أن الخطوط تضررت اقتصادياً من تخفيض التذاكر، فقط هنا يجمح الخيال للأخطبوط القطيفي لرحلات طلاب وطالبات القطيف واتساعه، وكثرة أياديه إذ أنهم سابع أعلى كتلة طلابية في المملكة، فهل أذنبوا ولا جامعة في محافظتهم؟!، القرار بحاجة لإعادة المراجعة.
الأمر الثاني يعد بديهياً وهو القشة التي تقصم الظهر، فعلى رب كل أسرة أن يعيد حساباته رغم غلاء المعيشة والأوضاع المادية التي ترزح بها الأسر القطيفية، فبحسب نتائج استطلاع مطروح في دراسة التعليم العالي بالقطيف تبين أن سعر الايجار مرتفع ومرهق للطلاب وعوائلهم، فما يعادل «21%» من الطلاب الدارسين بعيداً عن محافظة القطيف، يتحملون تكلفة تزيد على «8000» ريال في الفصل الدراسي الواحد، عدا أن طالبات القطيف بالرياض كمثال، بحاجة لأكثر من ثلاثة أضعاف المكافأة لتأمين متطلباتهن من سكن ومواصلات وغيرها. وعدا أن «66%» من طلاب القطيف لا تكفيهم المكافأة أبداً، و«10%» منهم مرتبطين بعمل لتوفير متطلبات الدراسة، وأن «45%» نسبة من سجلوا انسحابهم من الجامعات في السنوات الأخيرة من دراستهم كان السبب للضيق المالي و«32%» منهم لعدم توفر مواصلات جيدة. تبقى الضائقة المالية ثقلاً كبيراً على الطالب القطيفي سواء كانت الجامعة في داخل المنطقة الشرقية أو خارجها، والنتيجة أن طلاب القطيف بحاجة ماسة لجامعة.
ثالث الأمور؛ إن الواقع الأكثر مرارة حينما عرقلت الاشتراطات ضم الدارسين على حسابهم الخاص من طلاب وطالبات القطيف بأمريكا، وأفول حقيقة المكرمة أمام تلك الشروط، وحين نوضح ذلك ونكرر: «لافتقار محافظة القطيف لجامعة» فبعد شتاتهم في الوطن لعدم استيعاب الجامعات السعودية لهم، صار لزاماً على الأهالي أن يلحقوا أبناءهم بجامعات الخارج، وحينما يكون اضطرارهم للدراسة على حسابهم الخاص رغبة في تحصيل التعليم العالي الذي لم يتوفر لهم في محافظتهم كأي محافظة أخرى في ربوع السعودية؛ فالمتفحص لأعداد طلاب وطالبات القطيف المبتعثين سيرى أنهم قد حازوا نصيب الأسد من مزايا الابتعاث بمقياس النسبة والتناسب للحجم الطلابي.. فهم الأجدر لاستيفاء متطلبات اشتراطات الوزارة لضمهم. ولعل لسان حالهم يقول: ”رضينا بالغربة، والغربة ما رضت بينا“ لجأوا للخارج بعد أن رفضتهم جامعات الوطن إلى أن وضعوا أنفسهم تحت مطرقة غلاء المعيشة، وما باعوه من أجل تحصيل الدراسة فأي جامعة بعد صفع أبواب سُبل التعليم هكذا في أوجههم إن لم تنشأ جامعة لهم في القطيف؟؟!.
هو حنق كبير سينتج من هذا القرار لدى أهالي محافظة القطيف وأبناءهم إن لم يكن من المؤكد الآن قد توارد في أذهانهم أن في الأمر طائفية!!. إن هذين القرارين بعد التهميش الطائل والقائم لهذه اللحظة في قضية حقوق القطيف ونصيبها من التعليم العالي على أرضها، يسلب آخر نفس وآخر احتمال يمكن لأهالي هذه المحافظة احتماله، ولا يعد أمراً مقبولاً في حق المواطن من التعليم وبخسه فيه على كل مستوى. إن زرع الصعوبات في وجه طلبة العلم والحنق في قلوبهم مادياً، ووضع العراقل المتشددة في هذا الوطن يشكل تراجع لا بد ان يُعالج.
لذا لابد من الخطوط السعودية أن تراجع قرارها أو تتراجع عنه لمصلحة «التعليم» المحرك الأساسي للتقدم في هذا الوطن، وأن يكون لبرنامج الابتعاث موقفاً نبيلاً اتجاه معاناة المغتربين في الخارج من طلاب القطيف خاصة وباقي المناطق الأخرى عامة، في تسهيل سبل طلب العلم من خلال إدخالهم تحت دعم الدولة، على أن ذلك لا يكون تقليلاً لأهمية أن تُقر جامعة على أرض القطيف. ولعل وزارة التعليم تلتفت لهذا المطلب أخيراً والمثبت حقها فيه بالمعايير الحكومية. وأناديكم هنا بمقولة المفكر خالص جلبي ”الحقوق لا تأتي بالمطالبة بل بالقيام بالواجب“ وهي أدواركم رعاكم الله.
فسلام على الوطنية لمن يستجديها...