العرب وثقافة المراكز البحثية
* العالم العربي يبلغ تعداده 367.4 مليون نسمة من أصل7 مليارات نسمة عدد سكان العالم حاليا، أي أن ما يقارب 370 مليون عربي لديهم فقط 387 مركزاً بحثياً
في دراسة نشرتها جريدة الوطن قبل عام تحت عنوان «واقع مراكز الدراسات والبحوث في العالم»، جاء فيها أن عدد المراكز التي تضمنتها الدراسة 6826 مركزاً بحثياً، من 182 دولة في العالم، توزعت على الصورة الآتية: الولايات المتحدة الأمريكية 1780 مركزاً بنسبة «26.07 %»، وأوروبا الغربية 1270 مركزاً «18.6 %»، والصين 426 «6.2 %»، والهند 286 «4.2 %» واليابان 108 «1.6 %»، والبلدان العربية 387 «5.7 %».
ومقارنة بعدد تلك المراكز مع عدد السكان، نجد أن العالم العربي الذي يبلغ تعداده 367.4 مليون نسمة من أصل7 مليارات نسمة عدد سكان العالم حاليا وفقا لما جاء في النسخة العربية من التقرير الإقليمي حول حالة السكان للعام الحالي، التي تم إطلاقها في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، لديهم فقط 387 مركزاً بحثياً، وهذا يعتبر دليلاً على عدم اهتمام الفكر العربي بشكل واضح بالمراكز المتخصصة في معرفة واقعه الاستراتيجي من الخارطة العالمية.
كما نلاحظ أن صناعة القرار في دولة عظمى مثل أمريكا، يأتي من خلال مراكز البحوث التي تقوم بعمل بحوث ودراسات لقضايا استراتيجية مختلفة، وربما أهم القضايا التي تهم أمريكا والعالم، وعلى أساسها تبنى خارطة التعامل الاستراتيجي مع المنظومة العالمية؛ لذا نجد أن أكبر عدد من المراكز التي شملتها الدراسة يأتي في أمريكا «300 مليون نسمة عدد سكانها»، «1780» مركزاً موزعة على الولايات الرئيسة، وتقدم خبراتها الاستراتيجية لتؤثر في صناعة القرار.
وبالعودة إلى ما ذكره الدكتور سمير كرم مدير قسم الدراسات في مركز دراسات الوحدة العربية حول صناعة الأفكار في الحكومة الأمريكية؛ حيث قال إن هذه المراكز تعتبر «مصانع للأفكار»، وأن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية تتغذى من هذه المصانع «بحكم العلاقة «الأيديولوجية» بين مصانع الأفكار هذه والحزب القائم في الحكم»، وتتقسم هذه المراكز أو «مصانع الأفكار» على الحزبين الرئيسين في أمريكا.
وفي المقابل نجد أن أوروبا «708 ملايين نسمة» لها ما يزيد عن 1200 مركز بحثي أيضا تقوم بقيادة الرأي العام في صناعة القرار.
وما هذا إلا دليل على أن دول العالم المتقدم تعتمد كثيراً على مراكز البحوث الدولية والعريقة في صناعة القرار، ولو بحثنا أكثر سنجد أن تلك المراكز الموجودة في العالم موجودة في عدد بسيط من الدول وهي «فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين، ألمانيا»، وكذلك إسرائيل التي تملك 11 مركزاً رئيساً لصناعة القرار.
وبالعودة لعالمنا العربي الذي لا يحتمل رؤساؤه ساعات طويلة حتى على طاولات المفاوضات الدولية، ونجده يدخل اتفاقيات عالمية دون دراسات قانونية أو تشريعية لها، فنرى أن اتفاقية السلام العربي - الإسرائيلي لها ما يزيد عن 10 سنوات وهي تراوح مكانها، وما زالت الدولة الفلسطينية التي خرجت من الاتفاقية «أوسلو» تعتبر في حكم بلدية على مستوى المفاهيم الغربية، ورئيس حكومتها لا يستطيع الاستمتاع بأي صلاحية خارج «بلديته»، بينما الغرب حينما يتفاوض على أي اتفاقية تجد أن وفده مليء بالخبراء الذين تنتجهم مصانع الأفكار الاستراتيجية.
وبالعودة إلى حالة الوطن العربي، نعود إلى وزارات للتخطيط - لم تخطط شيئا يذكر -، وما زالت معظم الدول العربية تعاني من أزماتها الداخلية على مستوى البنية الأساسية للمواطن «الحرية، التنمية، التعليم، الصحة»، وجميعها مازال يراوح مكانه في التخطيط، علماً بأن العالم العربي يتمتع بعقول قادرة على صناعة القرار والمشاركة الفعلية في وضع البنى الاستراتيجية للانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المعرفي، والاستثمار بدلاً من الاستهلاك. وهذا ما يجعلنا في حالة من التساؤل حول أسباب عدم التفكير الجاد في الانتقال للخطوات التي تجاوزت المرحلة «الريعية»، التي بقينا أسرى لها دون التفكير في الانتقال للمرحلة التالية.
من الأسباب الرئيسة في ذلك هو عدم «نضج الدولة الريعية» أو الاهتمام بوجود مراكز متخصصة تستطيع التواصل مع النخب الحاكمة، والدخول في مفاصل الدولة لإعادة البناء الحقيقي من خلال دراسات ميدانية متخصصة قابلة للتطبيق وليست قابلة للاستبعاد، كما أننا في الآونة الأخيرة أصبحنا نتباهى بحضور المؤتمرات أو إقامتها داخل مناطقنا العربية والخروج بتوصيات في ختام كل ندوة يتم فيها تسجيل توصيات تحمل كلمات رنانة وتوصي بضرورة الانتقال إلى اقتصادات المعرفة التي أصبحنا بحاجة لها.
من وجهة نظر كثير من المهتمين بالشأن الاقتصادي والفكري أن نهضة المجتمع لن تكون إلا من خلال تلك المراكز البحثية، التي يجب أن تكون مؤثرة وجادة فيما تطرح، كما يجب أن تكون شريكاً أساسياً في صناعة القرار، لتخرج تلك المدن من دائرة الفساد إلى دائرة الإصلاح المبني على الفكر الإنساني ويحترم العقول المنتجة، ولن تكون التجربة الماليزية أو اليابانية صعبة علينا إذا قررنا الانتقال من مرحلة المستقبل والمستهلك إلى مرحلة المنتج، في مناطق تحترم عقول أبنائها وتمنحهم الفرصة الحقيقية في شفافية العمل والعطاء.