الشعاع الأزرق وأزمة المعرفة
مع تطور وسائل الاتصال العالمية والقادمة عبر تلك الشبكات العنكبوتية أصبحنا نوعز كل الثقافات الضحلة التي ينتجها المجتمع هي بسبب هروب الجيل الجديد إلى ثقافة الإنترنت، وأنه أصبح دائماً يقرأ عبر تلك الوسائط وأن ثقافته تجاوزت جيلنا الذي يعده بعضهم - ذاهباً إلى السوداوية - وصدق بعضنا بأن هذه هي الثقافة الحقيقية للجماهير.
وكنت في حديث مع صديق عزيز جداً على قلبي عن ثقافة الأفلام الوثائقية وذلك عندما أرسل لي فيلماً لا يتجاوز ال45 دقيقة يتحدث عن مخططات الماسونية في الغسيل الفكري الجديد الذي يمر بسلام عبر المنظمات العالمية الكبرى «المتحدة»، وتقوم بتفكيك شفراته وكالة الفضاء العالمية «ناسا». وما كان حديثي مع صديقي إلا عن تلك الأفلام الوثائقية التي يتم إنتاجها مؤخراً، وهل هناك من يراها بينما هو يتداولها عبر وسائطه السريعة في «الواتساب»، أو عبر رسائله الإلكترونية التي يتم تمريرها لمجموعات كبيرة من «الأصدقاء».. لذا أراني أضيف على مفردة ليس هناك من يقرأ «ليس هناك من يشاهد»؟
ما أردت الحديث عنه في هذه العجالة أننا في الوطن العربي أصبحنا مبرمجين على عقلية «القيل والقال»، ننقل مقالات لانقرأها بحجة أنها طويلة، نتناقل مقاطع اليوتيوب دون أن نشاهدها خصوصاً تلك المقاطع التي تحمل وعياً للمشاهد وتلقي على عتبة بابه الأسئلة، ولكن عقليتنا أصبحت مبرمجة على عدم السؤال وعدم الرغبة في المشاهدة «الجادة».
لكننا نرى شبابنا اليوم يستمتع برؤية ما أنتجته تلك الوسائط من مقاطع تحريضية تنخر في العقول لمن يشاهدها، وفي اعتقادي أن أصحاب الخطب الرنَّانة الذين نزعوا في السنوات الأخيرة للتحريض لديهم وسائل خاصة في البرمجة العقلية يشدون من خلالها المستمع لخطابهم، بينما تلك الأفلام الوثائقية التي يتم إنتاجها عالمياً وتبحث في خفايا ما يحدث أمامنا من ظواهر وضرورة الحذر من تصديقها مثل تلك الظاهرة السابقة الذكر «الشعاع الأزرق»، نجد أن لا وقت لمشاهدتها فهي طويلة.
كما أريد الإشارة إلى سلسلة من الأفلام الوثائقية الموجودة على شبكة «اليوتيوب» تتبع إلى Zeigeist - film series وهي أفلام وثائقية متعلقة بالأديان وسيطرة مجموعة من الشخصيات العالمية في إدراة بعض الدول، ومن خلالها يستطيعون إدارة رأس المال على مستوى العالم لتحقيق ما يريدون. ولو شاهدناها لعرفنا إلى أين نحن نسير ربما؟
أصبح من الضروري اليوم علينا التوقف أمام ما يصلنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل الواتساب أو الفيسبوك وإثارة السؤال بداخلنا عن سبب انتشار مثل هذه الوسائط بيننا في هذه الفترة، وعلينا أن نخرج من عباءة أننا «شعب لا يقرأ» التي ساهمت طرق ووسائل التعليم لدينا في انتشارها وخروج الكتاب من بين أيدينا وقامت تلك المؤسسات بإلغاء ما يسمى ثقافة «المكتبة المدرسية» التي أصبحت لا تحتوي اليوم إلا على كتب تتحدث عن عذاب القبر وكتب لا مجال لذكرها.
إننا بحاجة للتوقف مع أنفسنا قليلاً ومعرفة مكامن أمراضنا كي نستطيع معالجتها، وعدم البحث عن شماعات مترامية الأطراف لنرمي عليها أسباب سطحيتنا، ومن وجهة نظري أن الوسائط الفضائية والإلكترونية لم تسهم بتسطيحنا، لأن من ساهم بهذا التسطيح يعيش بيننا وهو من يحاول أن يعبئ رؤوس أبنائنا بتلك الخطب الرنانة التي تدعو لثقافة الكراهية بدلاً من ثقافة الحب، وثقافة الحياة، وثقافة السؤال أيضاً.