الداخلية والضربات الاستباقية
أعلن يوم أمس الأول متحدث وزارة الداخلية نتائج التحقيقات، التي تمت خلال الشهور الثلاثة الماضية، وأسفرت عن اعتقال ما يزيد عن 400 متهم ومتورط في خلايا الإرهاب، وتفجير المساجد. ومن بين المساجد التي أعلن عن استهدافها المسجدُ الكبير في الرياض، إضافة إلى مساجد «شيعية»، استهدفها هذا التنظيم.
اعتقال، وسجن مثل هؤلاء المتورطين في الأعمال الإرهابية، أصبح حديث الصحف في معظم أرجاء الوطن العربي، فليست المملكة الوحيدة التي ابتلاها الله بهذا «الفكر الإرهابي»، بل نجده منتشراً مثل السرطان في «جسد» العالم، ويُلاحظ كل يوم جمعة أن هناك عمليات إرهابية تجري على مستوى العالم، يتم إحباط بعضها، في حين أن عشرات من العمليات تنفذ في نيجيريا، والعراق، وسوريا، يُقتل فيها المسلمون في أحب الأيام إلى الله سبحانه وتعالى، وفي الصلاة، قال تعالى «يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون». لا يمر يوم جمعة إلا ونسمع أن هناك حزاماً ناسفاً تم تفجيره في أحد المساجد، والنتيجة زيادةٌ في عدد الأحزمة المتفجرة، وفتح السجون لمعتنقي هذا الفكر، وملاحقتهم عبر الحدود، وتأهب رجال الأمن على مدار الساعة.
لقد منَّ الله علينا في هذا البلد برجال أمن يسهرون لحفظ أمننا، وقيادة حكيمة تتابع مجريات الحدث على مدار الساعة، وتضرب بيد من حديد كل مَنْ تسوّل له نفسه العبث بأمننا، ولكننا مازلنا في حاجة إلى علاج حقيقي لما يحدث، وتحدثنا كثيراً عن «قانون الوحدة الوطنية»، الذي سيكون جزءاً من هذا الحل والتغيير، ولكن هذا التغيُّر يجب أن يكون نابعاً من مؤسسات المجتمع المدني، وعبر البرامج الصيفية الحقيقية، التي تُنتج جيلاً واعياً، دون أي تغير ثقافي سوسيولوجي، وتأهيل مراكز بحثية متخصصة تعطي الحلول لمثل هذه المتغيرات.
ولا يجب علينا تكوين اللجان لبحث أسباب هذه المشكلة، بل نحن في حاجة إلى تطبيق أفكار مشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي، حيث إن هذا الفكر تمدد داخل جسدنا الخليجي، وعلينا مصارحة أنفسنا، فهؤلاء هم «أبناؤنا»، ولم يأتوا من الخارج، ونهلوا من «مخرجاتنا»، واستمعوا إلى «مشايخنا»، وتابعوا مقاطع الفيديو الخاصة بهم على وسائل الاتصال العالمية، بل إننا تركنا مثل تلك الوسائط، ليتم تداولها على الهواتف النقالة حتى تحوّلت إلى أحزمة ناسفة على أجساد أبنائنا، «تقودهم إلى تلك الجنان الموعودة».
وها هي أعداد المنتمين إلى هذا الفكر الداعشي في تزايد على مرأى ومسمع كافة أجهزة المخابرات الدولية، التي تتابع بحرص ما يتم هنا وهناك، وتفتح باب السجون لهؤلاء، ولكن ماذا سيحدث بعد ذلك؟ وكيف سيتم معالجة الأمر؟ وهل نجحت كافة الوسائل العلاجية معهم؟
ما أريد الوصول إليه هو: ماذا حدث للمحرضين، ولماذا مازالوا بيننا، ولماذا تنتشر مقاطعهم التحريضية حول هدم البيوت، وقتل عباد الله على الشبكة العنكبوتية؟ هل في استمرار وجودهم ووجودها حكمة؟! هل في استمرار الاستماع إليهم وإليها حكمة أيضاً؟! وكذلك الأمر فيما يخص موجة التحريض، والكراهية، التي نراها بكثرة في تلك المواقع الإلكترونية، دون أن يتم حذفها، وتعتبر «رسمية» في بعض الدول، ولم يلتفت إليها أحد حتى الآن.
نعم، لقد قامت وزارة الداخلية مشكورة بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن نايف، بضربات استباقية لهذا التنظيم، ولكن على جميع الوزارات التعاضد، والعمل الحقيقي لتنظيف هذه الوزارات، وشبكاتها الإلكترونية، وإيقاف موظفيها الذين يحملون الفكر الداعشي عن الاستمرار في عملهم، ولنكن جميعنا رجال أمن في هذا الوطن.