آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

شهداء العنود.. أن تضحي من أجل غيرك

حسن آل جميعان *

لا شيء أغلى من الانسان نفسه ولا شيء أولى من أن يحمي الانسان روحه من أجل الاستمرار في الحياة ولا شيء أغلى عند الانسان من ذاته والحفاظ عليها هكذا هي الحياة، لكن أن تضحي من أجل هذه الأشياء كلها وتقديمها على حقك في الحياة فهذا يسمى النبل وليس أي نبل فأنه أرقى وأرفع نبل يقدمه الانسان في هذه الدنيا من أجل انقاذ غيره مقابل حياته هذا ما سطره شهداء تفجير مسجد الامام الحسين بالعنود الدمام شرق السعودية.

لا زال الارهاب يحصد الارواح البريئة على أساس الهوية ولا يتورع عن تصفية أي فرد أو جماعة أو طائفة أو وطن لا لشيء غير أن هؤلاء مختلفين عنه لأن هذا الفكر المتطرف لا يفهم إلا لغة الارهاب والتفجير والدمار وإفساد الأرض وقتل الناس الأبرياء، هذا الفكر خطر على البشرية جمعاء وليس على فئة محددة حيث الكل لديه معرض للقتل والموت لا أعلم أي فكر هذا الذي يريد تصفية البشرية كلها من أجل فكرة تحمل في طياتها الحماقة والجنون.

من المشاكل المعقدة في المجتمع الاسلامي مشكلة الهوية القاتلة أو أزمة الهوية العنيفة التي راح بسببها الكثير من الضحايا بسبب ما ينتج عن هذه الهوية من تصارع حاد جدا يؤدي بالنتيجة إلى فرض هوية واحدة مقابل الهويات الأخرى مما يسبب صراع هوياتي عنيف فيما بينها يصل في كثير من الأحيان إلى أعمال عنف وارهاب كما يصنع أتباع داعش والحركات الاسلامية المتطرفة من قتل وترهيب ضد الهويات المختلفة عنها مما يؤدي إلى تعميق الطائفية في المجتمعات العربية والاسلامية، حيث يقول الفيلسوف أمارتيا صن في كتابه الهوية والعنف وهم المصير الحتمي: ”إن فرض هوية فريدة زعما هو غالبا أحد المكونات الحاسمة من الفن القتالي لإثارة المواجهات الطائفية“، ويضيف أمارتيا قائلا: ”إن العنف ينمو عندما نعمق إحساسا بالحتمية حول هوية يُزعم أنها فريدة وغالبا مقاتلة“.

اعتقد أن الهويات في مجتمعنا العربي والاسلامي على بركان متفجر قد تنفجر في أي لحظة أو هي قد تفجرت بالفعل بسبب الاصطفاف الحاد فيما بينها ومحاولة كل هوية فرض نفسها على الهويات الأخرى مما يساعد على أن تتعصب كل هوية لذاتها ويزيد الشرخ والأحن والنزاعات الطائفية المدمرة التي تأكل الأخضر واليابس، مع العلم أن بالإمكان أن تتعايش هذه الهويات فيما بينها وتكون مصدر ثراء وحياة لكننا جعلنا منها ”هويات قاتلة“ كما يعبر المفكر أمين معلوف.

أخطر ما في الهويات التي تتسم بطابع العنف أنها هويات لا تعترف بالوجودات الأخرى أو المختلفة عنها أو هي اقصائية لا تقبل التنوع والتعدد القائم في المجتمعات البشرية مما يجعلها هوية خطرة ومهددة للنوع الانساني والمنجزات الحضارية التي أنجزها الانسان على مر العصور، لذلك يجب تفكيك هذا الفكر الهوياتي المتعصب والمتطرف حتى نتمكن من إنقاذ ما تبقى من البشر والحفاظ على المنجز الحضاري في هذا العالم.

ختاما نقول أن لكل فرد منا هويات متعددة وهذه الهويات تستطيع أن تتعايش مع بعضها البعض من غير تعارض أو تصادم فيما بينها وأي تهديد تتعرض له الهوية يجعلها أكثر ميلا للحفاظ على وجودها وديمومتها من الهلاك لذلك نقول للجماعات الارهابية أنتم بأعمالكم وأفعالكم الارهابية لا تستطيعون أن تقضوا على أحد بل العكس أنتم تخلقون حافزا أكثر لتمسك أي جماعة بهويتها ومورثها الديني أو الثقافي مما يعزز من قيم الهوية ووجودها في المخيال الجمعي للجماعة الانسانية المهددة.