الإعلام وتنامي خطاب الكراهية
دأبت كثير من الجهات الرسمية والمنظمات غير الحكومية في السنوات الماضية على التركيز على ضرورة إخفاء مظاهر التحريض وتخفيف خطاب الكراهية المتداول في وسائل الإعلام العربية، وقد ركزت المنظمات الحقوقية على ورش عمل للتعريف بهذا الخطاب، كما ركز مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني خلال سنواته الماضية على إقامة ورش عمل ومؤتمرات للوقوف على تعريف واضح حول هذا الخطاب وأين مكامن الخلل، وضرورة استبداله بخطاب يبعث على التسامح وقبول الآخر.
وعلينا أن نتساءل لماذا لنا ما يزيد على عشرة أعوام وعالمنا العربي يقيم تلك المؤتمرات والورش واستدعاء المفكرين والكتاب لوضع استراتيجيات واضحة ضد خطاب العنف، بينما نجده يتنامى في الوسط الإعلامي ك «النار في الهشيم». هل هذا الخطاب متأصل في مجتمعاتنا العربية لذا نحاول أن ندافع عن أنفسنا من خلال تلك المؤتمرات؟ هل نحن صادقون فيما نصبو إليه وضرورة تأسيس خطاب جديد بينما نجد وسائل إعلامنا المقروء منها والمرئي ما زالت تصدح كل صباح ومساء بتلك المفردات التي تدعو للكراهية ونبذ الآخر دون القبول فيه، ونصرخ بعدها لماذا ما زال مجتمعنا يعيش هذه الكراهية ويستمر في حالة القتل والتناحر.
هناك وسيلتان في الإعلام هما الأكثر انتشاراً بين المواطن العربي منها المقروء ومنها المرئي، أما قنوات المسموع منها فقد أصبح أقل الوسائل متابعة، لذا سنتحدث عن الصحافة والقنوات الفضائية التي ما زالت تكرس على استخدام مفردات وبرامج هي في داخلها مدعاة للكراهية.
في الأسابيع الماضية نلاحظ بأن عدد المقالات التي تتحدث عن الأوضاع السياسية التي تمر بها المنطقة تخلط كثيراً ما بين السياسة والطائفية، فتحول تلك النزاعات الشرق أوسطية إلى صراعات مذهبية، علماً بأن بعض هؤلاء الكتاب أو المفكرين الذين يبرزون لنا على القنوات تحت مسمى «باحث في شؤون الشرق الأوسط، باحث ديني أو باحث سياسي»، وفي الحقيقة لا يتعدى ذلك المتحدث أن يكون باحثاً في شؤون التفرقة، وأستغرب كثيراً من بعضهم الذي يتحدث عن ضرورة إيجاد ميليشيات مبنية على الحالة المذهبية لمواجهة ميليشيات أخرى، هل نستطيع حينها أن نؤمن بأن هذا الباحث حريص على وحدة الأمة الإسلامية وهو يشكك في النيات بناء على قراءة - غير مكتملة - لكتب صفراء انتزع منها ما يتناسب مع أهوائه الشخصية فراح يدلل على ما يريد قوله بذاك الكتاب أو كتاب آخر عمره ما يزيد على ألف عام.
ومن جانب آخر نجد بأن تلك الفضائيات التي تدعي بأنها تحمل رسالة إعلامية ما زالت تركز في شريطها الإخباري ونشراتها وضيوفها أيضاً على النعرات القبلية أو المذهبية، وتلك القنوات الممولة من شخصيات غير معروفة نجدها مدعومة من جهات مختلفة لزيادة حالة الاحتقان المجتمعي بين الناس بتلك البرامج التي تقوم ببثها على قنواتها الفضائية.
ولعلي هنا أستشهد بالقرارات التي قامت بها المملكة مؤخراً من خلال إيقاف أو معاقبة جميع من يحاول بث التفرقة العنصرية أو المذهبية عن الظهور على وسائل الإعلام، أرى ضرورة تتويج ذلك من خلال قوانين مكتوبة بهذا الخصوص، كي يكون ذلك أكثر حزماً وأكثر ضماناً لاستمرار عدم التجاوز والتطاول على الآخرين.
وضرورة إنشاء مرصد عربي لرصد خطاب الكراهية في وسائل الإعلام وإبراز ذلك من خلال مؤشر سنوي يمكن من خلاله فضح وسائل الإعلام التي تسعى لبث الفتنة وخطاب الكراهية مدعوماً بأسماء تلك البرامج والمتحدثين فيها كي يتم إيقافهم وعدم التعامل معهم، وبهذا نستطيع أن نتأكد بأن بعض المؤتمرات التي تعقد تحت مسمى «نبذ خطاب العنف والكراهية»، لا تأتي بضيوف يتحدثون وهم متورطون في بث تلك الأفكار المسمومة التي دفعت بصغارنا إلى مصائرٍ مجهولة.