الاختلاف الدولي وتوحيد «داعش»
يستفيد كثيرا تنظيم الدولة الاسلامية «داعش»، من الصراعات الدولية التي تمر فيها المنطقة العربية، فيصبح القضاء على التنظيم مهمة الجميع وبقاء التنظيم أيضاً بيد الجميع، وهذا ما تؤكد عليه جميع المعطيات الميدانية على ساحة المعركة، حيث نجد أن التنظيم ينهزم في «كوباني»، ويستمر في السيطرة على عاصمته المزعومة «الموصل»، وينفذ ويتبنى ضربات موجعة وعابرة للقارات.
وعلى طاولة المفاوضات يتفق الجميع على ضرورة القضاء على التنظيم لكثرة ما تضررت تلك الدول من وجوده، حيث أصبح يسيطر على منافذ برية ذات حساسية عالية في الحدود السورية والعراقية والأردنية، وكما نشاهد في التقارير الإعلامية كيف يجبر سائقي الشاحنات على دفع الجباية للعبور أو القتل، كما أنهم يجوبون الصحراء الشاسعة بأسلحتهم الرشاشة التي من المؤكد بأنها تحت مرمى طيران التحالف، الذي يؤجل دائما بعض طلعاته الجوية وضرب تلك المعاقل بسبب عدم التوافق بشكل نهائي بين حكومة العبادي وواشنطن، أو حكومة العبادي وإيران.
إذن جميعهم ضد التنظيم وجميعهم مستفيدون من وجود التنظيم لرسم خارطة طريق لهم، كي يستطيعوا العبور لقرارات تصب في مصلحة التحالفات الكبرى في المعطى الدولي. كما يلاحظ المراقب السياسي لتلك الأوضاع ويرى بأن داعش يستطيع السيطرة على بعض حقول النفط، لكنه لا يستطيع الحفاظ على مكاسبه في مناطق تعتبر ضمن التوافق الدولي على خلوها من مسلحي داعش. كما أصبح ملحوظاً أن القصف الجوي المستمر على التنظيم يعطي فرصة أكثر للمتشددين، بأن يقوموا بتجنيد عناصر - مراهقة - بزعم الدفاع عن الإسلام للتخلص من براثن الدول الكافرة.
ومن بين هذا كله نجد أننا اليوم نفكر بحلول ربما - أعتبرها - مؤقتة وهي محاربة التنظيم وقتل أفراده وإبعادهم عن ميادين القتال. ولكن التفكير الجاد في محاربة هذا الفكر لم تأت بعد، بدليل زيادة عدد المنتمين للتنظيم سواء من الدول العربية أو الدول الغربية، التي كلما ازداد المرض النفسي لدى المتشددين، سهل تحويلهم إلى فكرة الخلود من خلال العمليات الانتحارية التي يقومون بها. ومن هنا ليس دورنا فقط هو تحديث الخطاب الديني والابتعاد عن العصبيات العرقية من خلال مؤتمرات تعقد هنا وهناك وليس لها على أرض الواقع من عمل، وكذلك ليس من خلال تغير صفحات في منهج دراسي والتركيز على المنهج دون المعلم. ما نحن بحاجة له اليوم هو تعاون كافة الأطراف على وضع بنية أساسية لهذا المتغير الجديد، واستراتيجية حقيقية للمحاربة، من خلال تطوير أدوات المعلم في المدرسة، وخطباء المنابر، واستحداث برامج شبابية تدعم تشكيل جيل جديد من هؤلاء الشباب، الذين يجب أن تكون المحاربة من خلالهم وليس من خلال أجهزة رسمية ومؤتمرات لا يسمع بها الشباب، ولا نركز التغيير في المناطق الأكثر حيوية وننسى الأطراف التي تعتبر بيئة خصبة لمثل هذا الفكر المتشدد، الذي يتحول مع مرور الوقت إلى فكر داعشي يتبنى الاختلاف مع الآخر وتصفية المختلفين معه.
وهذا لن يتحقق إلا من خلال - المسار الرابع - الذي كثيرا ما تتحدثه عنه الباحثة والكاتبة «الأميرة بسمة بنت سعود»، وهو التعليم. حيث نلاحظ أن جميع المنتمين لهذه التيارات المتشددة ليسوا نتاج مفاوضات دولية بل هم نتاج تعليم متشدد وغير مستقر، وهذا لن يتحقق إلا من خلال تنمية كاملة في جميع الحقول.