”أبناء القطيف العمود الفقري لأمة عربية جديدة التقدم“
في أسطر بسيطة كتب الباحث التاريخي بيتر بروس كورنوال: ”أهل القطيف أناس فطنون أجلاء لهم قابلية التعلم السريع وحذق مالم يكن يعرفونه من قبل ولا يمكن لمن يعرف هؤلاء إلا أن يجزم بسرعة بأن لو أتيحت لهؤلاء الشبان السعوديون فرصة التعليم المواتية وغيرها لأصبحوا بمثابة العمود الفقري في أمة عربية جديدة التقدم“ في بحثه «البحث عن ماضي جزيرة العرب» عام 1933م وما زالت كلماته مجسدة لليوم حتى بعد مرور ما يقارب القرن في إنجازات أبناء القطيف التي تشهد بها الصحف المحلية والعالمية إلا أنها لم تشفع لهم لتقر الدولة بناء صرح جامعي يستحق مستوى طموحاتهم، فهل تعتبر قرارات وزارة التعليم مماطلة لأبناء القطيف وذويهم؟. نقطة اختتمت أسطر بيتر بروس خلفتها عبارة تحزن من يقرأها في ظل هذا التهميش «لأصبحوا بمثابة العمود الفقري في أمة عربية جديدة التقدم»!!.
القطيف هذه المتحضرة تصدر أفواج من أبناءها بمعدل متزايد كل عام لتحصيل التعليم العالي في درجات البكالريوس والماجستير والدكتوراة، في نفس الوقت الذي تطالب هي الدولة بجامعة منذ عشرين عاماً ولم يؤذن بإقرارها. وهم بهذا الحجم المتفوق بين أكبر محافظات المملكة التي قفزت القطيف به لتكون السابعة من حيث مجتمع طلاب المرحلة الثانوية، والأعلى في المنطقة الشرقية بحجمها الطلابي العام لجميع المراحل الدراسية، بينما نسبة طالبات محافظة القطيف الملتحقات بمرحلتي الثانوية والجامعة تعد الأعلى على مستوى المملكة بل أن عدد الطلاب الجامعيين فيها يفوق ثلاث محافظات مجتمعة بها ثلاث جامعات _كالدوامي والمجمعة وشقراء_. وبذلك فلا يوجد صرح جامعي يحتضن تلك الأعداد بينما هناك مناطق بأكملها ومدن أقل منها في ذلك ولديها جامعات.
الغرابة أن تبني الوزارة مراكز تعليم الدبلوم للبنات في القطيف بعد المطالبات المتكررة لأهالي القطيف ببناء جامعة، بينما فيها أعلى عدد خريجات دبلوم في المنطقة الشرقية. لا يفهم من ذلك إلا أنه يراد بأبناء القطيف أن يُزجوا في معاهد وكليات الدبلوم بتخصصات الوظائف المهنية المتدنية التي تنبئ بإحالة حامليها للطبقة الكادحة، ومع مقارنة عدد حاملات الدبلوم مع المغتربات من بنات القطيف لتحصيل البكالريوس يتضح أن 90% من بنات القطيف يقبلون على تحصيل البكالريوس وليس الدبلوم بحسب مصادر مؤسسة الإحصاء، وهذا يؤدي إلى مفهوم حتمي أن الوزارة لم توازن بين حاجة القطيف لتخصصات البكالريوس على تخصصات الدبلوم، مما يخلق تشبع بين مخرجات التعليم وسوق العمل، فمن استهان بمن؟!.
تحتج وزارة التعليم بحجة شح الأراضي في القطيف عند مطالبتها وتذكيرها بحاجة القطيف لجامعة على الرغم من توافرها في الغرب منها لبناء الجامعة، بينما تُقتص حدودها الإدارية لصالح المحافظات المجاورة منها، وهذا أمر في غاية التناقض، فكيف يجفف الراعي الماء ويدّعي العطش؟!!
المجتمع حين يقوم بتخصصات عالية يتقدم باقتصاده وتنميته. الإحصائيات تشير إلى أن القطيف تحمل أعداد كبيرة لحاملات الدبلوم من البنات في المنطقة الشرقية، وهو منحى يجب أن يتداركه الأهالي في أن لا يدفعوا ببناتهم في هذه الدائرة، مع افتتاح كلية التميز لينكولن بالقطيف في العام المقبل، فالحماس بالإقبال عليها يعد الشعرة التي قصمت ظهر البعير، فعلى الأهالي إدراك استحقاق أبنائهم وبناتهم لمدينة جامعية بتخصصات نوعية تؤهلهم دون عناء الغربة وجهد الطريق، وتتكافئ مع مستوى رجاحة عقولهم وطموحاتهم، لا القبول بتبعات الدبلوم السلبية فعلى المدى القادم لن يتوظفوا إلا في الشركات الصغيرة برواتب لا تكفي الحاجة. لابد أن تكون لدى الأهالي غيرة على أبناءهم وبناتهم باستحقاق القطيف لمدينة جامعية من هذا الظلم الواضح. فعليهم أن يطالبوا بالرغيف ولا يقبلوا بالفتات.
تنبأ بيتر بروس «رحمه الله» بعظمة ما سيقدمه أبناء القطيف لهذا الوطن، في حين لم تكافئ الدولة هؤلاء بإكرامهم أو على الأقل إكرام أبناء هؤلاء المنجزين من الجيل القادم بصرح جامعي يحتويهم دون غربة، يأخذهم لمستوى معيشي يليق بفكرهم المتوقد، ويسمح للوطن أن ينعم بمجتمع يتراكم ويخرج حملة درجات التعليم العالي وما يأتي معها من إنجازات تخدم العلم وتقدمه في الوطن، وكفاهم غربة وشقاء بأن لا يستغفلوا بمنشآت تقدم تخصصات واهنة، تخرس وهن الضعاف الذين لا يقبل بهم في الجامعات المجاورة لاكتفاء المقاعد او لأولوية التسجيل لأبناء المحافظة المنشأ فيها الجامعة، فيرغموا بدخول الدبلوم أو يجبروا على تخصصات خارج طموحهم غير مدركين لما يحمله مستقبل هذه الدرجة من عناء معيشي. فلينعم بروس في قبره لقد أنصف أبناء القطيف وليحمد الله أنه لم يشهد ذلك.