الثبيتي والعزاز و«ذاكرة لا تنسى»
قبل أيام مرت علينا ذكرى وفاة الصديق الشاعر محمد الثبيتي 15 يناير 2011، وسبقتها ذكرى وفاة الإعلامي والمصور الرائع صالح العزاز 15 ديسمبر 2002، جمعهما تاريخ واحد «الخامس عشر»، وفرق بينهما الشهر والسنة، 9 سنوات بين العزاز والثبيتي، ونحن نبكي أطلال الرحيل ونتذكر الصورة والمشهد والقصيدة، وربما نسيها كثير منا، لعلي أكون واحدا منهم.
رسالة من الصديق الكاتب والروائي سعد الدوسري جمعت الذاكرة وكتبت بحميمية العلاقة التي ربطته بهما، وحملت مواقف لا تنسى مع «الثبيتي/ العزاز»، وكتب فيها «قصص يجب أن تكتب من خلال مؤسسة ثقافية تعنى برصد الحكايات المخبأة للمبدعين». وذكرى الرحيل للثبيتي كتبها بعض المغردين ضمن «#الذكرى_الرابعة_لرحيل_الثبيتي» وغرد بها مئات المغردين والمقربين من الثبيتي وكذلك فيما يخص الراحل صالح العزاز، الذي أصبح اليوم يسكن ذاكرة الأصدقاء، ولم تقم أي جهة رسمية أو مؤسسة ثقافية بإحياء الذكرى وتخليدها أو جدولتها ضمن فعالياتهم التي أصبحت شبه غائبة، تلك القصص والحكايات ستندثر مع تقادم الأيام في حال تجاهل المؤسسات الثقافية، التي طالبها الدوسري فيما كتب بأن تسعى جاهدة لوضع مخطط يخلد ذكراهما، فقد كان لكل منهما مساهماته الإبداعية في رفع اسم الوطن، بدءا من مواقفهم الوطنية وانتهاء بكتابتهم التي تمثل مرحلة مهمة في حياتنا الثقافية، وحوربت من قبل تيارات كانت سيدة المشهد الثقافي، مما جعل مصير المبدعين حينها التهميش والإبعاد عن أي ذكرى لتخليدهما.
نحن في حاجة اليوم لأن تقوم مؤسسة ثقافية برصد العلاقات الحميمة للمبدعين والمحطات التي مرت بحياتهم وتسجيلها ضمن سلسلة من الكتب «ذاكرة لا تنسى»، والأفلام الوثائقية يتم من خلالها رصد الأسماء الراحلة من المبدعين، وجمع تاريخهم الشفوي من قبل المقربين منهم وكتابة سيرتهم، ضمن مجلدات يجب أن يقرأها الجيل الذي لم يتعايش معهم، ولا تكون مجرد اجتهادات فردية تضيع في الأدراج، بل يتم التباهي بها في المحافل الدولية والمحلية ضمن معارض الكتب والمهرجانات الثقافية التي تشارك بها المملكة عالمياً، تحكي سيرة هؤلاء المبدعين قبل أن تندثر من أرشيف الذاكرة.
ونلاحظ أن جميع دول العالم تحتفي بمبدعيها «قبل وبعد الرحيل»، من خلال تسجيل ذاكرتهم وذاكرة من عاصروهم وكانوا قريبين منهم، ويحملون قصصاً ومحطات حميمة معهم، ونحن اليوم في أشد الحاجة لمثل تلك المبادرات التي يجب أن يقوم بها العاملون في الحراك الثقافي، ولا يتم تسليمها مثل أي مبادرة إيجابية إلى مجموعة من الدخلاء على العمل الثقافي، والإخلاص لجميع الأسماء دون استثناء أحد بناء على مواقف خاصة.
من حق هؤلاء المبدعين الذين رحلوا عنا أن تخلد ذكراهم، ويتم تخصيص برنامج ثقافي يبث يوم ذكراهم على القناة الثقافية الرسمية، يحمل بصمتهم الإبداعية كي لا تسقط ذاكرتهم من جيل لم يحضر لهم أي فعالية أو يشاركهم سنوات الصراع والمعارك الثقافية التي حدثت في مطلع ثمانينيات القرن الماضي.
ولعل الأندية الأدبية أو الجمعية السعودية للثقافة والفنون هما الجهتان اللتان تستطيعان اليوم وضع مثل هذا البرنامج، ودعمه من قبل وزارة الثقافة لتتولى فروعها الموجودة في كافة مناطق المملكة بوضع مثل هذا البرنامج، ورسم إستراتيجية ثابتة لجميع الفروع، ليقوموا بإنجاز مثل هذا المشروع، وعدم تجاهله مثل جميع المشاريع الثقافية التي نتحمس لها وتختفي في الأدراج، لغياب الرؤية الواضحة والمعتمدة من قبل الجهات الرسمية.
**
من «ظمأ» محمد الثبيتي
«أرأيتَ إذْ تَمْتَدُّ أعناقُ الرِّفاقِ/ إلى المحاقِ/ يلوحُ في أقصى الظّلامِ/ يرونهُ برقاً… وأنتَ ترى بَرِيقا/ فارْتَبْتَ في الأوطانِ/ «لا تحمي العليل مِنَ الرَّدى» / وارْتَبْتَ في الشُّطْآنِ/ «لا تَشْفي الغليل مِنَ الصَّدى» / فَذَهبْتَ في بحرِ الجنونِ/ عمِيقَا
***
ومضيتَ/ لا تلوِي على أحَدٍ/ ولا تأوِي إلى بلَدٍ/ وترمي نحو آفاقٍ مِنَ الرُّؤيَا/ خُطى مَغلُولةً/ وهَوى طَلِيقَا
مَاذَا هُنَا لِلمُسْتَجِيرِ مِنَ الهَجِيرِ؟ / طَعَامهُ ورَقٌ/ مَاذَا هُنَا لِلمُسْتَجِيرِ مِنَ الهَجِيرِ؟ / منامُهُ أرَقٌ/ مَاذَا هُنَا لِلمُسْتَجِيرِ مِنَ الهَجِيرِ؟ / مُدَامُهُ مُوسِيقَى».