مشاريع التعليم وشبح التعثر..
تطمح وزارة التربية والتعليم في رؤيتها إلى الرقي بالعملية التعليمية؛ التخلص من جميع المدارس المستأجرة في محافظة القطيف والمنطقة الشرقية، حيث خصصت 32 قطعة أرض موزعة في أنحاء القطيف بحسب المدارس المستأجرة فيها ودواعي النمو السكاني المتزايد.
إن المشاريع التعليمية الحكومية وكما هو الحال تعاني تارة من التعثر بسبب سوء التنفيذ أو التخطيط قبل إرسائها والتي ينتهي بها الحال بعد ما يربو على الخمس سنوات لتهالك في العمران أو سوء الصيانة المتبعة فيها أو عدم كفاية في المرافق التعليمية والطاقة الاستيعابية لها، ولعل من المفيد أن نسلط الضوء على خلو مدارس أرامكو من تلك المشكلات وهو مانجحت في تفاديه من خلال التخطيط الناجح قبيل اعتماد إرساء مشاريعها التعليمية.
إن تعثر المشاريع التعليمية يشل من الحركة التعليمية مما يؤثر على المدارس التي تحتاج لنقل في حال تأزم حاجة الصيانة في المدارس المتهالكة أو اضطرار المستأجرة لزيادة الطاقة الاستيعابية للفصول وفي حال لجوء المدارس للدمج ليقترب عدد الطلاب في الفصل الواحد إلى 50 طالب/ة، حيث تم إلغاء ثلاث مدارس مستأجرة في بلدة المزروع مؤخراً _على سبيل المثال_ وضمها مع مدارس في الدخل المحدود مما يعني أزمة في المواصلات وازدحام شديد في المدرسة وضغط في الطاقة الاستيعابية للفصول، وهو ما ينبغي تفاديه بالمسارعة لإنشاء المدارس التي اعتمدتها الوزارة.
تشهد المشاريع التعليمية أو الحكومية على السواء إلى تعثر يترواح بين 5% إلى 10% سنوياً، وقد تشهد المشاريع المعتمدة الأخيرة من قبل الوزارة في القطيف إلى هذا التعثر والذي يرجع لضعف التخطيط في المشاريع الحكومية في مراحل إعداد دراسات الجدوى، والخلل في وضع التصاميم الهندسية والشروط والمواصفات الفنية، والإفراط في التقاول من الباطن، وكثرة التعديلات وتعدد أوامر التغيير بالحذف أو الإضافة أثناء مراحل التنفيذ، مما يتسبب في تمديد فترات العقود وزيادة تكاليفها المالية.
وما يساهم في هذا الفساد الإداري التواني في تطبيق الغرامات المنصوص عليها في شروط العقد في حال التخلف عن إنجازها في مواعيدها، والضعف الإداري للجان استلامها، مع وجود البيروقراطية الإدارية المعقدة في الدوائر الحكومية، واعتماد مقاولين لا تتوافر فيهم الكفاءة، وقد سبق لهم أن فشلوا في تنفيذ المشاريع، واعتماد نظام المنافسات السعرية على المنافسة في الجودة مما يسهل على المقاولين غير الأكفاء بالفوز.
وفي المقارنة مع شركة أرامكو والتي أبرمت منذ عام 1935 م اتفاقية مع ممثلين عن الحكومة وكان مضمون هذه الاتفاقية أن تقوم شركة أرامكو ببناء مدارس ثم تقوم بتسليم هذه المدارس لإدارة التعليم في المنطقة الشرقية فور الانتهاء من إنشائها، وأن تتحمل الشركة جميع تكاليف إنشائها وتتحمل المصروفات المتعلقة بمرتبات المعلمين والصيانة وكذلك تكاليف الأدوات المدرسية من وسائل تعليمية.
تمتاز أرامكو بنجاحها في إنجاز مشاريعها وهذا النجاح يتمثل في الرقابة والاجتماعات اليومية مع مُنفذ المشروع وإصلاح الأخطاء أولاً بأول وهو ما تتبعه بما يسمى بالإدارة بالمشكلات لا إدارة المشكلات، كما أنها لا تُشيد مشاريعها بنفسها فدورها إشرافي قيادي تنفيذي مع مقاولين من الدرجة الأولى ينفذون ما تم الاتفاق عليه ويتحملون الغرامات المالية عن كل يوم تأخير.
إن الاختلاف يتضح إذا ما قارنا مشاريع الحكومة الصغيرة نسبيا مثل مشروع كبري أو نفق على الطرق السريعة وداخل المدن والتي تُنفذ خلال 600 أو 700 يوم مع مدينة الملك عبدالله الرياضية بجدة «الجوهرة» والتي أوكلت لشركة أرامكو حيث تم إنشائها خلال 400 يوم ولم يكن دورها إلا إشرافياً على منفذي المشروع.
وقد تتوارد مقترحات أن يقوم متقاعدو شركة أرامكو وشركة سابك وبعض شركات القطاع الخاص من المهندسين والقيادات الإدارية بإدارة المشاريع المتعثرة، أو أن تعقد شركة أرامكو الدورات والندوات لموظفي الدولة في إدارة وتنفيذ المشاريع، ولعل هذه الحلول ترجعنا إلى الاعتماد على أرامكو والتي لعل من المجدي أن تبادر الحكومة للاستفاد من خبرتها في إدارة المشاريع للحد والوقوف على حلول لتعثر مشاريعها، حتى لا يصل الوضع للاعتماد على أرمكو في إنشاء مشاريع ليست من اختصاصها أو لإرساء مشاريع الدولة التنموية صغيرها وكبيرها.
وإنما الحلول الملزمة تتطلب إصلاح نظام ترسية العطاءات والمناقصات، وتغريم المتأخرين عن إنجاز المشاريع، ومنع التعاقد مع مقاولين ثبت فشلهم في تسليم المشاريع في مواعيدها وعمل قائمة سوداء بأسمائهم تتم مراجعتها مع كل تعاقد، وضرورة التأكد من قدرات مقاولي الباطن وكفاءتهم في إنجاز المشاريع والحد من التعاقد معهم في المشاريع الحكومية، وتحديث أنظمة إدارة المشاريع في الدوائر الحكومية وتطبيق معايير الأداء ذات الجودة من قبل أعضاء لجان الإدارة في آلية استلام المشاريع مع تنمية مهاراتهم، وأن يرتكز نظام المناقصات والعقود المنافسة على السعر والجودة معاً لا أن تقتصر على أقل الأسعار، كي لا يلقى ثقل الصيانة بأضعافها على الوزارة أو إدارة المدرسة لاحقاً.
إن الحلول السالفة الذكر ينبغي أن تجد مكاناً في خطة الوزارة المستقبلية بالخصوص لدى الإدارة المشرفة على إنشاء المشاريع التعليمية. إنه لابد من ذلك حتى لا تعرقل الحركة التطويرية في مناهج التعليم اليوم فمسألة أن تحال المدارس المستأجرة لنسبة الصفر بالمائة ينبغي أن تمضي الوزارة في الوصول لتلك النسبة بتحرك سريع وناجح معها لإنشاء المشاريع المعتمدة. فعملية الدمج وإن كانت مؤقتة فأثرها ليس بالبسيط ويزيد الطين بلة إن واجه استبدالها بمدرسة متأخرة أو متعثرة الإنشاء.