قليلا من الحب يا سادة..
يغيب الحب وتغيب معه الحياة.. لأننا بقصد أو من دون قصد هجرناه وابتعدنا عنه لأننا أمة لا تعرف إلا الحزن والتشظي والبحث عن الألم.. الأمة التي تفتقد الحب أمة في عداد الموتى.. إذا أردت البحث عنها اذهب للمقبرة سوف تجدها هناك حيث الأموات والقبور والتاريخ المليء بالانكسارات والفرقة..
حتى يتمكن الحب من قلوبنا علينا تطهيرها من آثار الماضي الذي يسكن فيها منذ زمن طويل يصعب التخلص منها ومن الماضي لكن علينا تحمل وجع وصعوبة الفرار من تلك الآثار الجاثمة على صدورنا وأنفاسنا.. الحب لا يعرف إلا لغة واحدة لا غير وهي الحب.
نكرر الحب ويبقى الغياب ويصر الحب على الرحيل حيث لا مكان له في القلوب المريضة المسكونة بالكراهية والبغضاء والنزعة للقتل، الحب ليس كلمة نرددها للترف الفكري الحب سلوك وقيمة عليا، وليست كلمة مكونة من ثلاثة أحرف فقط، بمعنى أننا نركز على قشر الكلمة وننسى الجوهر وما تحمله هذه الكلمة من معاني في غاية الروعة والجمال، كثيرون هم الشعراء الذين كتبوا شعرا في الحب والكثير منا قرأ ذلك الشعر، لكن القليل منا تأثر بما نضم وكتب من حب في تلك الأبيات الكثيرة، حيث نجد نزار قباني في إحدى قصائده مستعد للموت من أجل محبوبته ومستعد لتكرار الحب مرة ثانية من أجلها، في قصيدته المشهورة ”أحبك جدا“ يقول:
أحبك جداً وأعرف أني أعيش بمنفى
وأنتِ بمنفى
وبيني وبينك
ريحٌ
وغيمٌ
وبرقٌ
ورعدٌ
وثلجٌ ونار
وأعرف أن الوصول لعينيك وهمٌ
وأعرف أن الوصول إليك
انتحار
ويسعدني
أن أمزق نفسي لأجلك أيتها الغالية
ولو خيروني
لكررت حبك للمرة الثانية
الحب طريق الحياة ومن دونه نحن لا نستحق الحياة ولا العيش فيها.. مجتمعاتنا ممزقة ومتفرقة هل فكرتم لماذا؟؟ لأنها تخلت عن قيمة عظيمة وسامية وفوق كل الاعتبارات التي وضعها البشر ”الحب“ نعم نحن تخلينا عن الحب.. وتهنا كما تاه قوم نبي الله موسى في الأرض أربعين عاما، وسيستمر ذلك التيه والضياع إذا لم نتدارك أنفسنا ونتخلى عن الشرور التي تتنازعنا الكراهية الحقد الظلم الطائفية المقيتة العنصرية، ونضع مكانها قيم الحب والمحبة والتسامح والرحمة والمساواة فيما بيننا وإلا سيكون مصيرنا كما نشاهد يوميا من مناظر لم يحصل مثلها في تاريخ البشرية حيث الموت هو سيد الموقف أطفال نساء شيوخ شبان كلها مهددة بالموت في أية لحظة، هل هذا العالم الذي نرغب في العيش فيه؟ الجواب على هذا السؤال سيكون ”لا“ وعلى هذا نقول كما في المطلع:
قليلا من الحب
قليلا من الحب
قليلا من الحب يا سادة..