آخر تحديث: 8 / 9 / 2024م - 12:11 ص

هل الطائفية قيمة حضارية؟

حسن آل جميعان * ميدل ايست أونلاين

رائحة الدم، وأطفال صرعى يفتشون عن سبب لمصرعهم وعن الشظايا التي اخترقت رؤوسهم وأجسامهم. نساء ثكلى يبحثون عن بقايا خبز وقطرة ماء ملوثة حتى يروون رمقهم وعطش أولادهم وهم يتلوون من ألم الجوع وصراع المرض وعذاب الفقر الذي مزقهم لكن لم يقتلهم كما فعلت الطائفية، وشيوخ يبحثون عن ما تبقى من أمل يسيّرون به ما تبقى من مشوار حياتهم البائسة الذي تمزقه الطائفية كل يوم حتى الأحلام لم تعد كما كانت حيث تحولت إلى ألوان الدم والألم الذي امتزج مع وجع المفاصل ورائحة السعال. ولازال الطائفيون لا يتورعون عن سكب الزيت على النار.

من خلال متابعة القنوات الطائفية وما ينتج عنها من خطاب فيه الكثير من التحريض والشحن الطائفي البغيض يكاد يصل الفرد إلى نتيجة أن هناك مشروعا يسعى كل طرف من هذه القنوات إلى تحقيقه وغرسه في نفوس الأتباع المتأثرة والمتابعة لهذه الفضائيات وهو ”تحويل الطائفية إلى قيمة حضارية!“ وإزاحة قيم التعايش والتقارب والحب بين الناس وإحلال الكراهية والبغضاء بينهم.

شيء غريب ما يحصل حقا. وإذا أردت أن تكون صاحب تأثير تحدث فيما يفرق ويشتت وبقدر الإمكان عليك أن تكون طائفيا وإقصائيا أكثر من كل الطائفيين في هذا العالم البائس كي تكون بطلا قوميا ومناضلا عظيما لم تخرج الأرض أفضل منك. كل هذا التحول يدعونا إلى التفكر والتساؤل، ماذا يريد أصحاب هذا الفكر الطائفي النتن؟ هل يسعون إلى تدمير الكون والقضاء على البشرية؟ أم ماذا؟

بكل تأكيد هؤلاء لا يريدون نشر الدين أو الحفاظ عليه كما يزعمون بل يريدون تشويهه والقضاء عليه وتحقيق مصالحهم التي يسعون إليها، لأن الأديان بكل بساطة هي رحمة للعالمين وليست العكس بكل تأكيد.

تشير الإحصاءات إلى أن عدد القتلى بسبب العنف الطائفي في حالة ازدياد خطير جدا حيث بلغ عدد ضحايا الإرهاب بحسب إحصائيات ”هيئة إحصاء القتلى العراقيين“ عام 2010 عددا يتراوح ما بين 97461 و106348 شخصا «المصدر: حرب العراق بالأرقام، 15 ديسمبر 2011، بي بي سي عربي» قتل بسبب العنف الطائفي والعدد في تصاعد مستمر.

من الخاسر جراء التحريض المذهبي والطائفي؟ الناس الأبرياء هم من يدفع فاتورة التجييش الطائفي المقيت بالطبع. هذه الإحصاءات في العراق فقط، لكن هناك أرقاما مخيفة جدا في باكستان وأفغانستان والقائمة تطول مع الأسف الشديد.

الطائفية ليست قيمة بكل تأكيد بل هي كلمة ذات دلالة سلبية خطيرة جدا، وإذا لم نتدارك الأمر سوف نصل إلى طريق مسدود لا يعرف إلا التناحر والتقاتل ونزف الدماء من الأبرياء. الطائفي مادته التاريخ الملغوم الذي يحمل الكثير من الإحن والأشياء المختلقة التي لا نعرف مصدرها أو من أي طريق وصلت إلينا وكذلك لا يمكننا الوثوق بها لأنها في الأغلب تكون طرقها مشكوك فيها ولا يمكن الاعتماد عليها، لكن الطائفي يجعلها حقيقة لا يمكن إنكارها ومن ينكرها يعرض نفسه للجحيم.