آخر تحديث: 8 / 9 / 2024م - 12:11 ص

المتديِّن الواقعي

حسن آل جميعان * صحيفة الشرق

يحتاج الإنسان في كل عصر إلى فكرة تربطه بالله سبحانه وتعالى؛ حتى يستطيع تحقيق الاستقرار الداخلي لذاته وتحقيق السعادة التي تجعله منسجماً مع هذه الحياة، وهذا ما يوفره «الدين» للإنسان حتى يتمكن من السيطرة على نزعاته وشروره التي تفتك وتدمر هذا العالم الذي هو جزء منه وعنصر حيوي في نموه وتطوره واستقراره. ما نقصده هنا هو الدين الواقعي في جانبه الأخلاقي الذي يتسع للبشرية كافة. هنا سوف نتحدث عن المتدين وعلاقته بالدين الأخلاقي أي الجوانب الأخلاقية التي تحدد تعامله مع الناس وتفاعله معهم بشكل واقعي، ومدى واقعية المتدينين في الزمن المعاصر، هل هم جزء حيوي وفاعل في هذا العالم أم هم يعيشون فيه لكن فكرهم في زمن آخر؟ بذلك فإن المتدين لديه عقلان: عقل موجود في الوقت الراهن لكنه معطل، وعقل في الزمن الغابر وهذا هو الذي يعمل ويؤثر عليه في تعامله وسلوكه مع الناس والعالم، وهذا يشكل لنا بالتالي إنساناً مزدوج الشخصية ودائم الشعور بالغربة، بالإضافة إلى ميله وارتباطه الشديد بالتاريخ والأزمان القديمة لأنه يجد ضالته فيها، وهذا التفكير يضع الأمة التي ينتمي لها هذا المتدين في ركب التخلف لأنها لا تستطيع التقدم والتطور، وأفرادها يستخدمون أدوات لا تتسق مع واقعهم الذي يحتاج إلى أدوات تتناسب مع معطيات الزمن الحالي الذي يتطور وينمو بشكل متسارع وكبير جداً، هنا نحتاج إلى إنسان واقعي يفكر ويعيش ضمن شروط عصره وزمنه لا إنسان مسكون بإنجازات الآخرين، هؤلاء لهم الحق في الفخر والاعتزاز، لكن نحن على أي أساس نتغنى بإنجازات غيرنا؟، إن تجاوز العقلية التاريخية أعتقد أنه من الشروط المهمة لصناعة واقع جديد متطور وحضاري لأي أمة تريد أن تحترم وتغيِّر من نفسها وموقعها في العالم. يشير الدكتور محمد مجتهد الشبستري إلى جدلية «المتدين الواقعي» في كتابه «قراءة بشرية للدين» وهو من الكتب الجدلية الإصلاحية المهمة التي أثارت نقاشاً واسعاً ومفصلاً خاصة لدى كثير من المثقفين حيث يقول: «إن المتدين الواقعي هو الذي يعيش معنى الحياة الإنسانية ويهتم بقلبه وباطنه، حيث يعقد الإنسان في أعماق قلبه قراراً بالتحرك في خط المسؤولية والرسالة». وبذلك فإن «المتدين الواقعي» حتى يتمكن من التخلص من إرث التخلف الذي اكتسبه من أجداده أو صنع جزءاً منه هو، لا بد عليه أن يكون أكثر واقعية في تقبُّل واقعه والزمن الذي يعيش فيه، وهذا لا يتحقق إلا بتفاعله وانسجامه مع المتغيرات المتسارعة في هذا العصر ضمن الشروط الإنسانية الأخلاقية المسؤولة التي تجعل من الحياة مسرحاً للتنافس والتدافع والتقدم الذي يرتقي بالعالم والبشرية.