ال تريك احتضن أهالي القديح قبل وفاته.. وأبنائه يستقبلون أصحابه وأحبابه في مجلسه

الوجيه والناشط الاجتماعي معتوق آل تريك شخصية من القديح، تنفس ألحان قديحه عبر سعيفات النخيل التي تحيط بأرواقها، احتضن القديح بكلها لتغدو حلمه وألمه وسعده، نسج تطلعاته عبر تطلعات أهلها، اختزن فكره وجهده في روحه الوضاءة المبادرة لكل خيرٍ وصلاح..
تحدث ابنه البكر هاني معتوق آل تريك ذو40 ربيعاً والذي يعمل في مديرية الشؤون الصحية في قسم المراجعة الإكلينيكية، عن والده قائلا ”حقيقة كان للوالد دور كبير جداً في توجيهي لهذا المجال «الصحي» حيث أنه منذ الصغر يبحث عن المجال العلمي والوظيفي بهدف إيجاد الاستقرار العلمي والوظيفي في المستقبل، والحمد لله توفقت نوعاً ما في الوصول إلى الطموح الذي نسجه الوالد لي).
وأضاف ”أن الوالد رحمه الله كان كل شيءٍ في حياتي وأنا ملازم له منذ الصغر، من البدايات إلى النهايات، هو الوالد والصديق، كان يطلعني على جميع أعماله حتى لو كانت هناك مشكلة مع أحد أصحابه يخبرني عنها، وهذه قد لا تلاقيها عند الكثير من الآباء، لأن البعض من الآباء يمارس الدكتاتورية مع الأبناء، هو بالعكس، دائماً يحثنا على التواصل وخصوصاً التواصل الاجتماعي والعائلي، ويحثنا كثيراً على التكاتف بين الإخوان“.
وأكد بأنه محب للأجواء العائلية والاجتماعية، يرتاح عندما يجد الإخوان جميعهم بجنبه، ينتهز أقل فرصةٍ ليتعلم الولد من خلال هذا الموقف المعين والكلمة المعينة، ويرشدنا إلى كيف نتحدث مع الإخوان بالشكل اللائق بدون تكلف، وينبه دائماً على الأخ الكبير في الأسرة، ويؤكد على الاحترام تأكيداً كبيراً جداً، ويركز على تفعيل عنصر التوجيه.
وذكر إن الوالد كان محباً جداً إلى الجلسات الاجتماعية حيث كانت لديه جلسات في مجلسه ولا يمكن أن يتنازل عنها بأي حالٍ من الأحوال إلا في الظروف القاهرة، كان يومياً يفتح مجلسه طوال الأسبوع من الساعة 3 والنصف إلى أذان المغرب، ويتوافد عليه الأصحاب من جميع الطبقات كرجال دينٍ ومثقفين وأدباء ليس فقط من داخل القديح وإنما من خارجها، فقد كان للوالد صداقات كثيرة ومتشعبة إلى حد أنها أتعبتني الآن في التواصل معهم، فمن الوفاء إليه أن نتواصل معهم على الأقل برسالةٍ، أو كلمةٍ وهذه مسؤولية كبيرة نسأل الله أن نوفق إليها.
قال الشاعر السيد حسن أبو الرحي «أبو أمجد»:
يا مجلساً ضم أصحاباً وإخواناً وكان للمجد والإيثار عنوانا
نعم المقيل إذا أشتد الهجير لظى طرنا إليه زرافات ووحدانا
وأوضح إنه دائم السؤال والاطمئنان على الجميع فعندما أتأخر دقائق معدودات عن موعد حضوري للمنزل فوراً يتواصل معي، ويسألني بكلماته الحنونة عن السبب، وكذلك زواره يتفقدهم إن غابوا، لديه حس الدعابة مع الآخر، ويستأنس بالجلوس مع أولاده، حقاً إنه رحمة الله عليه إنسان بكل ما للكلمة من معنى.
وبين إنه دائماً مطلع على الساحة، وينتهز الفرص مثلاً مسؤول زار القطيف، افتتحوا مدرسة في المكان الفلاني، أو جامعة، أو..، كان دائماً يطالب بالمساواة، أو بالأحرى يطالب بالأحقية لأهل القطيف..
إن آل تريك كانت اهتماماته في الوجه العام تنموية ومن جهة أخرى يهتم جدا باللقاءات كملتقى شعري، أو لقاء أدبي، ويحضر مجلس جعفر الشايب أكثر من مرة، إنه يحب المواضيع التي تعني بثقافة المجتمع كما أنه مغرم بالتراثيات ولديه متحف متنوع الأغراض حيث متحفه في مجلسه وغرفتين في الطاابق العلوي وفي صالة المنزل.
إنه يحب الاطلاع على الكتب بأنواعها وتوجد لديه بعض الكتابات ولكن غير منظمة كالخواطر، أو ذكريات، يدون رحلاته، اهتم بالعائلة وعمل شجرة العائلة.
إن مجلسه يقصده البعض من أبناء القطيف عامة، والقديح خاصة لحل مشاكلهم وكتابة خطابات إلى المسؤولين كذلك يقصده أيضا من خارج القطيف مثلا من الدمام ومن الأحساء ويقول ابنه هاني ”لم أجده يوماً يتذمر، ويقدم لهم النصيحة ويوجههم إلى الطريق الصحيح في كيفية متابعة الخطاب من أجل الحصول على النتائج المرجوة“.
وقال هاني ”أنا أقرب إنسان إلى الوالد وخصوصاً في فترة مرضه من قبل 20 سنة كان مريضاً، ويعاني من السكر والكبد والقولون ومتابعته الصحية تكون في الرياض في مستشفى الملك فيصل التخصصي وأنا مرافقه دائماً“ منوهاً ”ما يلفت النظر حقاً أننا لم نراه يوماً يتذمر من مرضه إلى حين إصابته بمرض السرطان وكانت قبل وفاته تقريباً بشهرين، والطبيب أخبرني بحكم أن لدي ثقافة صحية، وأعرف الأمراض هذه إلى أين تتجه“.
وأشار إلى أنهم اتجهوا للعلاج في الخارج بعد صدور أمرٍ من الهيئة الطبية في الرياض بعلاجه خارج المملكة، وتحديداً في الصين حيث يحتاج إلى متبرعٍ للكبد كاملاً وهذه لا يمكن الحصول عليها إلا من إنسانٍ متوفي مشيراً ”وهذه عادة لا تتوفر إلا في (الخارج ).
وقال: إن ثقافة التبرع في مجتمعنا ضعيفة جداً " منوهاً لقد انتظرنا إلى أن وصلت حالته الصحية إلى مرحلةٍ لا ينفع معها متبرع بالكبد، أو زرعه.
وتحدث قبل وفاته بحوالي 20 يوماً عنما كنت معه في موعدٍ مع الدكتور المعالج، وأراد الدكتور أن يُلمح له بمرضه قلالاً " إننا نعتذر لك فكن قوياً وصبوراً دون أن يخبره صراحة بذلك.
وذكرت زوجة آل تريك (لقد عرف أبو هاني عن مرضه منذ ذلك الموعد حيث قال لي ذات يومٍ“ أم هاني كُلها أيام معدودة وسأفارقكم.
قال الشاعر: محمد أحمد مكي الناصر
كيف أنساك؟!
غبت عنا وغابت البسمات وتوارت نجومها الساطعات
صمت البلبل الطروب وناحت
فوق أغصان أيكها الفاختات
رحلت ساجعاتها باكيات
وتلاشت أزهارها العاطرات
كان بالأمس نخلها باسقات
والرياحين حولها عابقات
وبرغم هذا لم يخبر أحدا، وظل قويا إلى قبل أن يرقد في المستشفى كان يطلب أن يخرج من المنزل ويمارس المشي في هذا الوضع أنت تطلب من المريض أن يخرج ويغير جو وليس هو من يطلب وقبل وفاته ذهب مع ابنه علي إلى وهو لا يستطيع المشي من شدة المرض إلا بعكاز وعند الاتصال به قال بأنه ذاهب ليتابع معاملة في الرياض لأحد الأشخاص وكان مسافرا بالقطار كانت عنده روح المبادرة متوقدة ما بين فيه اليأس أبدا.
وكان معتوق آل تريك أحد مؤسسي المجلس الأهلي بالقديح ومن مؤسسي نادي مضر وضمن أعضاء مجلس إدارة جمعية مضر قديماً، ويحث أولاده على الخدمة الاجتماعية، ودائماً يردد هذه الجملة ”إن الإنسان لا يُذكر إلا بعمله“.
وأجاب هاني على سؤالٍ بأن ما تركه أبو هاني من إرث غريبٍ يعتبر مهمشاً لدرجة الغثيان من قبل النخب الثقافية والاجتماعية في القديح لمحزن حقاً، ألا يستحق هذا الإنسان أن تقام محاضرات وندوات لما يحمله من فكرٍ وثقافةٍ تفيد المجتمع ليكون فعلياً قدوة حسنة لمجتمعه قائلاً: إن الوالد يمتاز بأن خدم في العمل الحكومي في إمارة المنطقة الشرقية 38 سنة، وصارت لديه خبرة ليست بالقليلة في كيفية التواصل مع الجهات الحكومية، وكيفية متابعة الخطابات، وبعض اللجان الموجودة - والتي لا أقلل من قيمتها - ممكن يعدون خطاباً ممتازاً ولكن لا توجد متابعة ودائماً يقول آل تريك ”الخطاب لا يكتب وانتهى ولكن المسألة أهميتها تكمن في المتابعة والتعقيب“ ومثلاً سوق الخضار في القديح «الكبرة» كتب فيها 15 تعقيباً والوالد هو الذي طالب بإعادة ترميمها وفعلاً بعد ذك تم تهديمها ولم يتم ترميمها وعقب وعقب، وكذلك حديقة القديح حيث طلب تسويرها ويوجد ملف عن متابعة حديقة القديح وأشار ”المفروض من المجتمع يستفيد من ذوي الخبرات والتجارب في أي مجال“ منوهاً ”يوحد تقصير للأسف“ وأضاف عدنا لا توجد جهة، أو مؤسسة لتتبع هكذا أمور حيث كلها أعمال تطوعية والعمل التطوعي ممتاز جداً ولكن لا يرتقي للعمل المؤسسي حيث أن العمل المؤسسي يقتضي وجود متفرغٍ.
وذكرأحد طلاب العلم في القديح ومن له خدمات في المجتمع إلى أن المجلس الأهلي بالقديح الآن وصلوا إلى مرحلةٍ بأن يجعلوا من اللجنة الأهلية لجنة معتمدة، ويضعوا موظفين وهكذا، لأن العمل التطوعي خاضع إلى الظروف.
وأجاب عن سؤالٍ آخر بخصوص إقامة دورة الوفاء الرياضية التي تحمل اسم الراحل معتوق آل تريك والتي يقيمها نخبة من شباب القديح قال ”أقدم شكري وامتناني وكل عائلة ومحبين الوالد الغالي للقائمين على دورة الوفاء الرياضية على هذه الفتة الإنسانية التي تنم على أصلهم الطيب، ونقاوة أرواحهم، ووعيهم الاجتماعي“.
وتحدث مجيباً عن عدم تفاعل الكثير من أصحاب ومحبي الراحل في الحضور بيوم افتتاح دورة الوفاء قائلاً: وعن عدم ”أنا قدمت لهم دعوات وبعضهم اعتذر وقدم أسباباً قبلناها نحن مثل: نحن كبار، ليس لدينا ميولاً رياضية، مع العلم أنني طلبت منهم الحضور لمدة10 دقائق ونحن لسنا ذاهبين للكورة بقدر ما هي من أجل مناسبة الدورة وهو تكريم للوالد ولكم بحكم أنكم أصحابه ووعدونا بالحضور في ختام الدورة موضحاً“ إن الأسباب منطقياً غير مقبولة ".
وأضاف ”إن الإخوان في اللجنة المنظمة بدورة الوفاء الرياضية طلبوا بعض المقالات، أوالكلمات القصيرة من أصحاب المرحوم ليضعوها في النشرة اليومية قائلاً“ أنا أرسلت إلى 75 في المئة من أصحابه والذين استجابوا لا شيء، وتحديداً 5 أو 6، وأنا هنا لا أقلل من محبتهم للوالد ولكل إنسانٍ ظروفه ”وأشار“ والذي يحزنني حقاً بأن الذين استجابوا أغلبهم من القطيف، وهم لا يعرفون الكثير عنه، ومن جهةٍ أخرى لا توجد استجابة من قبل القديح الذين عايشوه وعرفوه.
ولا زال مجلس الراحل معتوق آل تريك يفتح ذراعيه لاستقبال أصحابه وأحبابه يوماً في الأسبوع حيث يجلس أبنائه مرحبين بهم.