المؤيد: تأصيل شرعي للكراهية..!
الشيخ حسين المؤيد أول القول منه يغنيك عن آخره، كما أن أول الرقص حنجلة، أختيار مذهب من مذاهب المسلمين ليس بالحدث الفلكي الذي يسبق يوم ا لقيامة ويعد من علاماتها البارزة. ثمة ديمومة للتحول والإنتقال وتبادل المواقع بين الشيعة والسنة كمذهبين عظيمين من مذاهب الإسلام. ويفترض كما في كل مرة أن نعتبر هذا يرتبط في المجمل بيقين القلب والرجاء في الخلاص يوم القيامة من خلال الرجوع إلى الحق والتضحية في سبيله.
لا أرغب في تعقب الشيخ في كل ما يقول، ولست بشغوف في الرد على كل الهنات من خطابه المتكرر، ولكن حسبي منه، التوقف عند ما له صلة بالناس وحواضر المدن الإسلامية وإستقرارها، التي يتمازج فيها الشيعة والسنة في ظلال العدل والمساواة وحقوق الموطنة. ولعلي لا أحرم الإيجاز فيما يلي:
أولا: الشيخ يريد من مستمعيه أن يعترفوا له بفضيلة علمية مرتفعة جدا وذلك بموجب سند «البحث الخارج» الذي كان يٌلقيه في قم..! وكان الأجدر بفضيلته أن يستند على البينة الشرعية في «الإجتهاد» وهي شهادة عد لين من الفقهاء بالملكة وحصولها لديه. لأن البحث الفقهي لا يدل على ملكة الاجتهاد وليس من الأدلة عليه، وبينه وبين الإجتهاد عموم وخصوص من وجه. فرب مجتهد جامع للشرائط ولا يباحث خارج، ورب أستاذ بحث وليس بمجتهد ولا بفقيه. لأن مباحث فقه الإستدلال اليوم بات يتناولها حتى الباحث الأكاديمي المتمرس في إدارة مصادر فقه الإستنباط سيما مع وفرة مصادر البحث الرقمي وسرعة الوصول للشخصيات الرجالية بالطرق الحديثة. وبذا سنركن إلى أصالة العدم من ملكة الاجتهاد حتى تأتي البينة المعتبرة شرعا سيما وأن في قوله ما يستوجب الريبة في حصوله على ملكة الإستنباط نظرا للإخلال بالمبادئ الأولية له، وتجاوز مقدماته الضرورية، والإعوجاج الظاهر في توظيف قواعده.
ثانيا: تحدث الشيخ المؤيد عن «نظرية تخوين المجتمعات الشيعية» بتأصيل ديني أبتدعه بعد أن هداه الله إلى الحق، وذلك من خلال قوله أن «المتدين الشيعي لا يستطيع أن يؤمن بمشروع الدولة لأنه يعتبرها دولة باطلة». وربط هذا بنظرية المهدي المنتظر، وبذا لا يخفى على أحد أن الرجل يٌلبس على الناس تلبيسا مفضوحا، لأن العدالة الناقصة في قيادة بشرية لا تقاس بالدولة التي تكون مؤيدة بروح القدس من الله العزيز الحكيم، والتي تعني دولة العدل والحق والتي يؤمن بها المسلمون كافة والمسيحيون يؤمنون بعودة المسيح أيضا والخلاف بين السنة والشيعة في كون المهدي المنتظر في آخر الزمان هو ولد؟ أم سيولد في آخر الزمان؟ مع وحدة موضوع المهدوية ووحدة صفاتها، ووحدة كونها الخلاص الرحيم للبشرية، وظهور العدل، والتي يظهر الله بها دينه ونوره ولو كره الكافرون والمشركون.
ربما لأن الشيخ الجليل، لم يسمع عن شهداء جبل عامل في مقاومة الإحتلال الفرنسي، ولم يبلغ علمه ثورة العشرين وتضحياتها في العراق لتحريرها من البريطانيين، ولم تبصر عينه شهداء الكويت الذين سقطوا على تراب وطنهم العزيز على قلوبهم وأرواحهم لرد عدوان الهالك صدام حسين ولم يقرأ في التاريخ الحديث عن جبل العلويين في سوريا والأثمان الباهظة التي قدموها قرابين طاهرة لتحرير سوريا من الإحتلال الفرنسي ومن الواضح أن فضيلته لم يبصر بعد تضحيات جنوب لبنان من التحرير حتى حرب النصر الأخيرة.
وفي جميعها كان الشيعة يقدمون أنفسهم وأرواحهم فداء لوطن هم على يقين أنهم لن يصبحوا حكاما فيه ولا يمنون أنفسهم بهذا منه. حتى أن الشيعة - البدون - كانوا من أشجع الرجال الذين دافعوا عن الكويت وترابها وإنسانها مع أخوانهم الشرفاء من السنة البواسل.
ولا تثريب على فضيلته فهو كما يكرر دائما أستاذ البحث الخارج ولعل هذا سبب جهله بالتاريخ، والسياسة، والواقع. لأنه حين كان في العراق كان متحالفا سياسيا مع الضاوي.. وما ذاك إلا بسبب الجهل بالسياسة ليس أكثر، وأتمنى عليكم أن لا تذهب بكم الظنون إلى أكثر من ذلك..!.
إنه هنا يقفز فوق هذا التاريخ كله الممتد مئات السنين، ويقف فوق هذا الواقع الإنساني العظيم، ويقفز حتى على تاريخ بلده العظيم العراق وتضحيات شيعته الشرفاء، من عهد الملك فيصل حتى اليوم ليقول أن الشيعي المتدين يعتبر غير دولة المهدي باطلة.. إلا أنه على أستعداد لأن يفدي بنفسه في سبيل الدفاع عنها ورد البغي عن أراضيها..! وهي تضحية يختارونها ويسعون إليها ويرفعون أنفسهم بها شرفا وفخرا وخلودا.
وهذه البديهية التي يجهلها فضيلة الشيخ حسين المؤيد.. صرح بها صاحب السمو أمير الكويت الشيخ صباح الصباح سلمه الله. في رده على حسني غاز إسرائيل - حين قال مقالة الشيخ المؤيد أن ولاء الشيعة خارج أوطانهم قال له الشيخ الصباح أن تصريح الرئيس المصري لا صلة له بشيعة الكويت ورجالها.
الرجل يتكلم بضرس قاطع، بوصفه قد كشف الله عنه حجاب الصدور والقلوب وبات يجزم ويتكلم بطريقة من لم يسلك سبيل علم إلإستدلال في حياته، وبمنهج محاكمة النوايا، لا لشيء فقط لأن الناس تقول أن العدالة المطلقة والتامة والكاملة ستكون فقط مع المهدي الذي تنتظره البشرية مٌخلصا لها من شتاتها وحيرتها وضعفها أمام الظالمين والجبابرة.
الشيخ المؤيد يقود تحريضا مذهبيا بأداة جديدة وهي «التأصيل الديني لتخوين الشيعة»، فهو يأتي بوصفه «شهد شاهد من أهلها» ليؤكد بما لا يدع مجالا للشك.. أن خيانة الشيعة لأوطانهم لها أصل ديني في عقيدتهم..!! ومذهبهم..!! وهذا سبب الحفاوة العظيمة به في قنوات الفتنة والتحضير لمجازر جديدة في جغرافيا جديدة من العالم الإسلامي.
ومن ذا يستطيع أن يرد على أستاذ البحث الخارج أن قوله ينطبق عليه الإستدلال المعكوس؟ وكيف نوضح لهذا الأستاذ العظيم أن النتيجة لا صلة لها بمقدمتها التي أستدل بها؟ وأن الكلية باطلة والجزئية باطلة أيضا.. وأن العدالة الناقصة تنطبق حتى على الدول التي تكون بيد الشيعة أنفسهم لوحدة الموضوع. وأن الدول الشيعية مثل الصفوية والأدارسة، والحمدانيين وكثير غيرهم لم يغير من كون العدالة الناقصة هذه.. لا تعارض الإنتماء ولا تعاكسه ولا صلة لها به، لأن هذا العدل هو غاية ما يستطيعه الإنسان وغاية ما يقدر عليه. «لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها» و«ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به وأغفر لنا ورحمنا وتب علينا» إلا أن الفقيه العظيم لا يتفطن لهذا ربما لأنه لم يقرأ التاريخ ولم يفهم الواقع ولم يكن على بصيرة بتحديد مقدمات حكمه الجائر هذا.
هذا غبش مرده الجهل أو القصد وغايته جعل الشيعة في نظر أوطانهم منافقون يجوز في حقهم النبذ ويجوز في حقهم التمييز دون أن يتأثم ضمير حي بهذا. من خلال عقل أستاذ البحث الخارج هذا المذكور أعلاه. وحسبنا الله ونعم الوكيل.