المنطق الغائب.. الحاضر
خرجت قبل أيام قليلة مبادرة عرفت ببيان علماء القطيف والأحساء تنتقد العنف واستخدام السلاح في المنطقة وهذا رد على من يريد سوءا بهذا المجتمع الذي عرف بنهجه السلمي وحرصه على حفظ الأمن وسلامة الناس واستقرار الوطن، لذلك جاءت هذه المبادرة في هذا السياق الذي عرفت به المنطقة لوأد أي ظاهرة سلبية تسيء أكثر مما تخدم وعلى هذا جاءت المبادرة في وقتها رغم تأخرها قليلا لكن كما يقال: أن تصل متأخرا خيرا من أن لا تصل أبدا.
أن المنطقة خلال الثلاث سنوات الماضية لم تعرف إلا صوت أحادي واحد تفرد بمنطقه على الساحة وتم غياب أو تغييب الأصوات المختلفة الأخرى ضمن منطق لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وهنا مكمن الإشكال والخطورة والخطأ.. لأن كل حراك مطلبي وحقوقي بحاجة إلى مشاركة الجميع في صياغة وتحديد المصلحة في ذلك حتى لا تكون المنطقة رهن فئة واحدة متفردة برأيها الذي قد يكون صائبا وقد يكون مخطأ، لذلك النشطاء في أي مكان بحاجة إلى سماع الآراء المختلفة والناقدة حتى تصحح من مسارها ونهجها وبالتالي تقومه وترجعه للمسار الصحيح الذي تسعى إلى تحقيقه وهذا لم يحدث مع الأسف في تلك الفترة الماضية بل شعر البعض أن أي صوت مخالف هو مس لأشخاصهم والهدف الذي يسعون إليه ويطالبون به.. لكن الواقع يقول غير هذا فهناك فئة لم تتكلم وتبدي رأيها في هذا الحراك بل بقية صامتة خشية الفتنة والتمزق والتشظي لكن هذا الموقف أزم الموقف أكثر، ووصل الكثير من أبناء المجتمع إلى قناعة أن السكوت والصمت ستكون عواقبه وخيمة أكثر من الكلام والتعبير عن القناعات والآراء المختلفة بشكل واضح وصريح.
هنا سوف أناقش مسألة مهمة وبالغة الخطورة في نفس الوقت وهي الفرق بين العقلية الأحادية والعقلية البرغماتية التعددية التي تبحث عن المصلحة في تحديد خياراتها والنهج الذي تبتغيه وما تسعى للوصول إليه في منهجها المطلبي واستخدام الأدوات التي تعينها على تحقيق مطالبها من غير أضرار وخسائر مادية أو معنوية قد تطال المجتمع الذي تمثله. أما العقلية الأحادية فهي لا تعرف إلا لغة واحدة ومنطق واحد وهو إما «مع أو ضد» أو «أسود أو أبيض» وهذا الخيار قد لا تحمد عواقبه وآثاره، والمكاسب فيه مجهولة خاصة في ظل غياب الرؤية ووضوح الهدف ونسبة المخاطرة فيه كبيرة أيضا، وبالتالي آثاره قد تكون مدمرة جدا وهذا ما نخشى منه ونحذر من نتائجه على المجتمع والمنطقة بشكل خاص والوطن بشكل عام.
لذلك في ظل التوتر والتأزم على العقلاء من كل الأطراف التفكير بشكل جدي في الخيارات التي تجنبنا الخسائر والأضرار وتحقق الخير والصلاح والاستقرار والأمن للجميع، كما أكد البيان على ذلك حيث جاء فيه: ”لا شك أن أعظم مقصد للدين وأهم مطلب للمجتمع هو بسط الأمن والاستقرار في البلد“.