آخر تحديث: 19 / 12 / 2025م - 4:42 م

عصافير وبلابل والآن حمام وغُربان

المهندس أمير الصالح *

في واحة تكسوها أشجار النخيل بكثافة غزيرة، كواحة الأحساء العزيزة، اعتدنا مع إشراقة شمس صباح كل يوم شتوي بسماعِ زقزقة العصافير وشدو البلابل. عند سماع زقزقة العصافير وتغريد «شدو / صفير» البلابل تُطرب الأذن وتُشنف مسامع المستمع، وتنطلق نشوة الالتحام بأحضان الطبيعة الجميلة، وتتجدد روح الالتصاق برموز الحرية والفضاء الواسع، وحب المكان، والتفاؤل بالخير، وارتياح النفس، وبهجة الروح. أما الآن حيث المدن الأسمنتية معدومة التشجير ومنعدمة الغطاء الأخضر إلا ببقع محدودة، لا نسمع تغريدات ولا زقزقة للعصافير والبلابل، ولكن نسمع هديل الحمام ونعيق الغربان لكثرة الحمام والغربان داخل المدن الأسمنتية.

ينتاب المستمع لنعيق الغربان بأنه يعيش في مدن أشباح منعدمة الروح وضحلة انسجام وجافة المشاعر. وينتاب المستمع هديل الحمام بأنه يعيش في أوكار سكنية كثيرة الرفوف والجحور ومتهالكة العلاقات الإنسانية!

حتى إن الإنسان السوي والمنطلق في الحياة يشك بأنه فُصل فصلًا تامًا عن روح الأرض، الطبيعة الجميلة، بسبب كثرة المباني الأسمنتية وقلة البساتين والنخيل، وانحسار عدد الحدائق الغناء في محيط المدن.

بيئات جاذبة وبيئات منفِّرة

ليس فقط البلابل والعصافير تشعر بتغير الأجواء وتصحر الأماكن وتعتمد سياسة تغيير المكان إلى الأفضل؛ بل الإنسان أولى بهكذا شعور ومشاعر عند تغير البيئة من جاذبة إلى منفرة أو طاردة. نعم كثر نعيقُ الغربان في الشوارع وبين البيوت الأسمنتية وعلى كورنيش المدن وفي بيوت الصفيح. كما أيضًا كثر نعيق الغربان في العالم الرقمي، فأفسدوا الأجواء ونشروا مقاطع الرذيلة وألقوا سمومهم بين مواقع التقنية، ولوثوا أجواء العلاقات وصفحات التعليم في العالم السيبراني. فكم أتمنى أن يتم تفعيل حجب أولئك مواقع الغربان المفسدة في الفضاء الواقعي والرقمي.

إحلال

في مدن أسمنتية عديدة حل صوت هديل الحمام محل تغريدة البلابل، وحل صوت نعيق الغربان المكتنزة وزنًا محل زقزقة العصافير؛ بسبب عفن بعض الأفكار لبعض البشر، أو إهمال البعض للإرشاد والنصح والحوار، أو بسبب سقوط البعض في براثن مغالطات فكرية أو صدمات حضارية أضحى البعض غرابًا بشريًا ينعق دون إدراك منه، فأفسدوا بدل أن يصلحوا، ونفّروا الناس بدل أن يجمعوهم. ولن أستغرب أن يطلع يومًا ما مجموعة تطالب بإطلاق جمعية الرفق بالغربان لتحل محل جمعية الرفق بالإنسان، ليزيدوا من الغبن والتعاسة التي يشعر بها بعض البسطاء من الناس. وهل يمكنك أن تتخيل يومًا ما أن الغربان ستطالب بنفي البلابل والعصافير وحتى الحمام بعد أن أكلت عددًا منهم لتستحوذ على كامل الغلات؟

لطفًا

لطفًا من سكان المدن عدم إطعام الغربان والحمام، وذلك بإحكام إغلاق أكياس النفايات ومنع رمي بقايا الأكل، لا سيما الرز والحبوب، في الأراضي الفضاء، وتجنب وضع الأطعمة المكشوفة بالقرب من حاويات النفايات. وكذلك نقول لطفًا من رواد العالم الرقمي والديوانيات الافتراضية بتجنب الغربان الرقميين والحمام الرقمي، وذلك بإحكام شروط الالتحاق بأي مجموعة، والتركيز على الأهداف الإيجابية البناءة، وعدم التفاعل مع نعيق الغربان وهديل الحمام المزعج لكثرة فضلاته، والمضي قدمًا في تأصيل الوعي وخدمة المجتمع، والسعي لنموه اقتصاديًا وعلميًا وأدبيًا وثقافيًا واجتماعيًا.