آخر تحديث: 19 / 12 / 2025م - 4:42 م

المجتمع السعودي.. العلاقات في إطار الانتماء

محمد الحرز * صحيفة اليوم

الاختلاف، العدو، الهويات. هذه المفاهيم الثلاثة وثيقة الصلة بعضها ببعض. إذا ما أردنا التساؤل عن الكيفية التي نستطيع من خلالها استيعاب تشكل الجماعات تاريخيا وثقافيا واجتماعيا وعقائديا واقتصاديا تحت مصطلح المجتمع السعودي؟

هذه المفاهيم الثلاثة لها حضور طاغ ومتداولة بكثرة في حقل الفلسفة الاجتماعية والدراسات الثقافية. لكن استدعاءها هنا للتحليل والمقاربة في سياق تشكل الجماعات هي من الأهمية بمكان كونها من جانب تكشف عن جوانب مضمرة أو مسكوت عنها أو لم تطالها الخطابات السسيولوجية على كثرة تنوعها في مجمل مقارباتها للمجتمع السعودي، وكونها من جانب آخر تضع دراسة مجتمعنا في علاقة وثيقة ومؤثرة بدراسة المجتمعات العربية، حيث تكتسب الدراسة من خلالها بعدا مهما، من أهم مكاسبها هو النظر إلى نسيج المجتمعات العربية نظرة شمولية تأخذ بعين اعتبارها وحدة التاريخ واللغة والدين والقومية.

أريد في هذه المقالة وفق هذه المفاهيم طرح السؤال التالي: ما نوع العلاقات القائمة بين مختلف الجماعات التي تمثل المجتمع السعودي؟

أولا المقصود بالجماعات هنا، هي التي تعي نفسها باعتبارها انتماء إلى عقيدة أو انتماء إلى جغرافيا محددة أو انتماء قبلي، وكل واحدة من هذه الانتماءات لها هوية جامعة تتشكل حسب الأحداث والسياقات التاريخية التي ترتبط بهذا الانتماء أو ذاك.

فإذا كانت الجماعة على سبيل المثال تعلي من شأن عقيدتها الدينية على حساب الانتماءات الأخرى مثل تلك القائمة على العلاقات الاجتماعية والثقافية المرتبطة بالأرض أو بالبلد، أو تلك المرتبطة بإيديولوجيا فكرية أو سياسية، علما أن الإعلاء ليس من شأنه أن يلغي بقية الانتماءات سواء عند الفرد داخل الجماعة أو الجماعة ككل، وإنما يؤخرها على سلم أولوياته، فإن وعي الجماعة بنفسها ووعي الآخرين بها يترجم إلى قيم أخلاقية وثقافية واجتماعية وتاريخية تحت مسمى الهوية. لكن في نفس الوقت هذه القيم يخترقها من العمق مفهومان يعملان على تحريكها واقعيا ومنطقيا، هما فكرة الاختلاف التي تنزل منزلة الوجود من جهة، وفكرة العدو المتخيل الذي يغذي فكرة الاختلاف من جهة أخرى.

لذلك - ثانيا - تنهض هذه العلاقات ضمن دائرة تلك الانتماءات وتتناوب بالأهمية حسب التحولات الكبرى للأحداث التي تغير مجرى العلاقات بين الجماعات في المجتمع الواحد، وبين المجتمعات في شتى بقاع العالم.

بعد هذه المقدمة النظرية اسمحوا لي أن أعود إلى السؤال نفسه معززا الإجابة ببعض الأمثلة النظرية.

هناك إطاران يمكن ملاحظتهما في مجتمعنا السعودي يحوي كل منهما شكلا من أشكال العلاقات التي يمكن رصدها ضمن التوجه الذي يطرحه السؤال.

الأول هو الإطار الذي تبرز فيه العلاقة على شكل الكتابة الإبداعية بجميع أنواعها، أما الإطار الثاني يمكن رصده من خلال فضاء التواصل الاجتماعي بجميع منصاته المختلفة.

النصوص الإبداعية، منطقة هشة وسرعان ما نستطيع أن نضع أيدينا على الدلالات التي تنتجها قيم الجماعة بوصفها دلالات تحدد موقع الذات من هذه القيم، وموقع الآخر منها أيضا حيث تظهر هذه الدلالات على صورة معيار ثابت في الوعي كما هي صورة المظلومية عند بعض الجماعات أو صورة الأكثرية عند البعض الآخر منها، في تجل واضح يرتبط بالمجاز على قدر ارتباطه بالواقع المعاش.

وهنا بالإمكان الاستشهاد بعشرات الأعمال التي ينتجها المبدعون في ثقافتنا المحلية سواء كان نصا شعريا أو روائيا وقصصيا أو فيلما سينمائيا، حيث جميعها تشير بطرف خفي إلى تلك الدلالات سواء وعى كاتبها بذلك أم لا. لكننا لسنا بصدد التطرق إلى هذه الاستشهادات في هذه المقالة.

أما فيما يتصل بفضاء التواصل الاجتماعي، فإن الحدود عائمة وسريعة التحول وإذا ما تم الوقوف على دلالة تبرز مثل تلك القيم من خلال تغريدة في منصة «أكس» أو صورة على منصة «إنستغرام» أو حوار على منصة «تيك توك» أو البودكاست. فإن وعي الفرد بذاته الجماعية ووعيه بالآخرين تتجلى في ومضة لا يمكن الإمساك بدلالاتها كاملة كما في الإطار الأول، لأن هذا الأخير يفرض حضوره بقوة على وعي الذات عندما يتوحد بنصه، بينما الأخير الذي يناسب الجيل الحالي هو مجرد عبور للوعي في لحظة لا واعية للفضاء الاجتماعي.