آخر تحديث: 19 / 12 / 2025م - 4:42 م

الإجازة المرضية.. قراءة مختلفة خارج مربع الاتهام

دكتورة لمياء عبدالمحسن البراهيم * صحيفة اليوم

من السهل أن ننظر إلى الإجازات المرضية كعبء إداري، أو مؤشر على ضعف الانضباط، أو وسيلة يلجأ إليها بعض الموظفين للانقطاع المؤقت.

لكن التجربة اليومية في القطاعات الحكومية تُظهر أن الإجازة المرضية أصبحت في كثير من الأحيان أكثر صدقًا من تقييم الأداء نفسه. هي المؤشر الذي لا يجمل الواقع، ولا يخضع للمجاملة، ولا يمكن تجاهله بالأرقام.

عندما يرتفع معدل الإجازات، فالسؤال لا ينبغي أن يكون: من يتغيب؟ بل: لماذا أصبح الغياب هو الخيار الوحيد؟ هنا تحديدًا يظهر الفرق بين الإدارة التشغيلية التي ترى الإجازة كإجراء، والإدارة الناضجة التي تراها كاشفًا لخلل أعمق في بيئة العمل، والتوزيع، والقيادة، وحتى في الثقافة التنظيمية التي تحكم العلاقة بين الموظف ومكان عمله.

كيف تنظر النظم المتقدمة لهذه الظاهرة؟

الأنظمة الصحية حول العالم تخلّت منذ سنوات عن النظرة العقابية للإجازات المرضية.

في بريطانيا مثلًا، لا تُقرأ الإجازة كغياب، بل ك «Data Point» يكشف مستوى الاحتراق، وعدالة عبء العمل، وجودة الإشراف. وفي كندا، تُعامل الإجازة المتكررة باعتبارها علامة على غياب ”السلامة النفسية“ داخل الفريق، وليس تقصيرًا فرديًا. أما سنغافورة، فربطت ارتفاع الإجازات بأداء القيادة، معتبرة أن المدير الذي يخلق بيئة صحية يقلّ لديه الغياب حتى دون تغيير الأنظمة.

على الرغم من وجود أنظمة واضحة بالنسبة للإجازات، إلا أن هناك فجوة في آليات التطبيق.

كثير من القطاعات ما زالت تقرأ الإجازة المرضية من منظور الشك، لا من منظور الجودة. بينما الموظف لا يبحث عن الإجازة بقدر ما يبحث عن تنفس وسط بيئة ضغط لا تمنحه سوى خيار واحد: الابتعاد.

يمكن التعامل مع الإجازات المرضية كملف جودة عبر:

1 - جعل الإجازات مؤشر جودة

متابعة شهرية لأنماط الغياب لمعرفة الأقسام التي تعاني من ضغط أو ضعف قيادة.

هذه القراءة تكشف ”النقاط الساخنة“ التي تحتاج تدخلًا إداريًا.

2 - تحليل جذور الإجازات المتكررة

كما نحلل الأخطاء الطبية، يجب تحليل الغياب:

• هل الموظف مُنهك؟

• هل الدور غير واضح؟

• هل هناك نقص تدريب؟

• هل العلاقة مع المشرف مرهقة؟

هذا التحليل وحده يختصر نصف المشكلة

3 - إعادة ضبط التوزيع الوظيفي

العدالة في توزيع عبء العمل ليست رفاهية، بل جزء من الحوكمة.

وأي خلل فيها ينعكس مباشرة على الإجازات.

4 - تدريب القيادات الوسطى

أغلب مشكلات الغياب تبدأ من المشرف المباشروليس الأنظمة.

القيادة التي لا تجيد الدعم والتواصل تزيد الإجازات دون أن تشعر.

5 - سياسات عمل مرنة عند الحاجة

ساعات مرنة، دمج العمل المكتبي، إمكانية الاستبدال..

حلول مجربة خفّضت الغياب في كل الأنظمة الصحية التي طبقتها.

6 - بناء ثقافة نفسية آمنة

بيئة يستطيع فيها الموظف قول: «أحتاج مساعدة»، قبل أن يقول: «أحتاج إجازة».

7 - قنوات واضحة لحل المشكلات

عندما يشعر الموظف أن أحدًا لن يسمع صوته.. سيغيب.

ختاماً: القطاع الذي يريد خفض الإجازات لا يحتاج إلى مزيد من التشدد، بل إلى مزيد من الفهم.

استشارية طب أسرة
مستشار الجودة وسلامة المرضى
مستشار التخطيط والتميز المؤسسي
كاتبة رأي