«أنتيك» ومخطوطات قرآنية.. رحلة بصرية في معرض الخطاطين الخامس بالدمام
انطلقت مساء الأربعاء في مقر الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالدمام، فعاليات ”الملتقى الخامس لخطاطي وخطاطات المنطقة الشرقية“، الذي يجمع نخبة من الفنانين لاستعراض جماليات الخط العربي وتبادل الخبرات الفنية.
جاء ذلك وسط حضور ثقافي لافت يهدف إلى تعزيز الهوية البصرية وتأصيل الموروث الفني الأصيل عبر منصة تجمع بين العرض والتدريب.
ويأتي هذا الحدث الفني البارز كحاضنة إبداعية تسلط الضوء على تنوع المدارس الخطية، بدءاً من الكلاسيكية الصارمة وصولاً إلى التجارب الحداثية، ليجسد حراكاً ثقافياً يربط جيل الرواد بالشباب الطامح لإتقان هندسة الحروف.
وشهد المعرض المصاحب للملتقى تنوعاً ثرياً في الأعمال المعروضة، حيث برزت لوحات جمعت بين خطوط ”النسخ“ و”الثلث“ و”الديواني الجلي“ و”الكوفي“، مما يعكس المستوى المتقدم الذي وصل إليه فنانو المنطقة في تطويع القصبة والحبر.
وفي سياق المشاركات المتميزة، أوضح الخطاط حسين القلاف أن مشاركته ركزت على ”خط النستعليق“، مشيراً إلى أن هذا الخط، المعروف أيضاً بالخط الفارسي، يمتلك جماليات خاصة وتاريخاً عريقاً تطور عبر مئات السنين في بلاد فارس وشبه القارة الهندية.
وأكد القلاف في حديثه عن تطور الخطوط أن ”النستعليق“ يمثل مدرسة فنية قائمة بذاتها، مستشهداً بتجربة الخطاط مير عماد الحسني الذي وضع قواعد هذا الفن قبل قرون، والتي لا تزال تدرس في المدارس الخطية الحديثة حتى اليوم.
من جانبها، سجلت الخطاطة ناهد الحيراني حضورها الرابع في الملتقى، مقدمة تجربة فنية تمزج بين خلفيتها كفنانة تشكيلية واحترافها للخط العربي منذ أكثر من عقد، حيث شاركت بلوحات تنوعت بين خطوط الرقعة والديواني ومحاولات في الكوفي الفاطمي.
وأشارت الحيراني إلى أهمية الخامات المستخدمة في إبراز جمالية الحرف، مؤكدة أن اختيار الورق المقهر ونوعية الأحبار يلعبان دوراً حاسماً في جودة العمل النهائي، وهو ما يعكس دقة الفنان في التعامل مع أدواته التقليدية.
وفي زاوية أخرى من المعرض، استعرض الخطاط حمود الجويرة لوحته المكتوبة بخط النسخ، واصفاً إياه بالخط الدقيق والأنيق الذي لا يحتاج إلى زخرفة إضافية لإبراز جماله، كونه الخط المعتمد في كتابة المصحف الشريف.
ولفت الجويرة الأنظار إلى استخدامه ورقاً قديماً ذا طابع ”أنتيك“ لإضفاء بُعد زمني على اللوحة، معتبراً أن الملتقى فرصة ذهبية للاحتكاك بالخطاطين وتبادل المعرفة حول تقنيات معالجة الورق وصناعة الأحبار.
وبدوره، كشف نائب رئيس دار الخط العربي بالأحساء، مصطفى الغانم، عن مشاركته بعمل جماعي فريد يضم أسماء الله الحسنى بمختلف الخطوط العربية، إضافة إلى أعمال فردية بخط الديواني الجلي، موضحاً الفروقات الفنية بين الورق الصناعي والطبيعي وتأثيرها على انسيابية الحبر.
ويتضمن الملتقى برنامجاً تدريبياً مكثفاً يشمل ورش عمل متخصصة يقدمها نخبة من الأساتذة، تستهل بورشة للخطاط حسن آل رضوان مساء الخميس، تليها ورشة للخطاط حسن البشراوي يوم الجمعة.
وتختتم الفعاليات التدريبية يوم السبت بورشة يقدمها الخطاط علي الخويلدي، حيث تبدأ جميع الورش في تمام السابعة مساءً، مما يتيح للمهتمين فرصة الغوص في أسرار هذا الفن وتلقي التوجيه المباشر من أرباب الصنعة.
ويعكس هذا التجمع الفني، الذي يستمر لعدة أيام، التزام جمعية الثقافة والفنون بدعم المواهب المحلية وتوفير بيئة خصبة للنمو الفني، مما يساهم بشكل مباشر في رفع الذائقة العامة والحفاظ على مكانة الخط العربي كأيقونة للهوية الثقافية.

































