احذروا الاحتيال لم يعد ابتدائيا بل احترافيا..
لم يعد الاحتيال مجرد محاولة بدائية يمكن كشفها بسهولة، بل أصبح سلوكًا منظمًا يمارسه محترفون يتقنون لعب أدوارهم بإحكام، مستغلين ثقة الناس وحسن نيتهم، ومتسلحين بمعلومات جزئية كالأسماء أو أرقام الهواتف ليبنوا عليها سيناريوهات خداع متقنة. مكالمة هاتفية واحدة من رقم مجهول قد تكون كافية لفتح باب الخطر إن لم يقابلها وعي كافٍ وحذر دائم.
تبدأ الحكاية عادة باتصال يدعي صاحبه أنه موظف في أحد البنوك، يبرر تواصله بانتهاء صلاحية بطاقة مصرفية أو الحاجة إلى تحديث البيانات. يتحدث بثقة مصطنعة، وبأسلوب يفتقر إلى المهنية، وغالبًا ما يصاحب حديثه ضجيج يوحي ببيئة عمل رسمية، في محاولة لإقناع الطرف الآخر بصدق الرواية. ومع أول سؤال عن بيانات حساسة، يتضح أن الغاية ليست خدمة العميل بقدر ما هي سلبه معلوماته خطوة بخطوة.
اللافت في هذه المكالمات أن المحتال قد يعرف اسم الضحية، ما يمنح الحديث مصداقية خادعة، إلا أن هذا القناع يسقط سريعًا عند مطالبته بتفاصيل دقيقة كاسمه الرباعي أو موقعه الوظيفي أو عند اقتراح إعادة الاتصال عبر الرقم الرسمي للجهة التي يدّعي تمثيلها. عندها يتغير صوته، ويظهر الارتباك، وقد ينقلب الحوار إلى انفعال أو إساءة لفظية تنهي المكالمة فجأة، كاشفة عن حقيقة النوايا.
ولا يقف الاحتيال عند هذا الحد، بل يتخذ أشكالًا أخرى لا تقل خطورة، كالاتصال لإبلاغ الضحية بفوزه بجائزة ثمينة، مع اشتراط دفع مبلغ عند الاستلام عبر العنوان الوطني. يصل مندوب التوصيل غير مدرك لمحتوى الشحنة، ويدفع الضحية المبلغ مدفوعًا بالحماس والفضول، ليكتشف لاحقا أن ”الجائزة“ لا تتعدى سلعة زهيدة لا تساوي ما دفعه. في هذه الحالات، تتم السرقة بهدوء، ودون تهديد، بل أحيانا بابتسامة.
المؤلم في الأمر أن الضحايا ليسوا بالضرورة عديمي الفطنة، بل غالبا من البسطاء أو كبار السن أو من يواجهون ضغط اللحظة، وهو ما يجعلهم فريسة سهلة لشبكات احتيال تعرف جيدا كيف تختار أهدافها. هؤلاء لا يسرقون المال فقط، بل يعبثون بالثقة ويقوضون الشعور بالأمان في المجتمع.
إن مواجهة هذه الظاهرة لا تبدأ من الجهات الرسمية وحدها، بل من الفرد ذاته، ومن دائرة الوعي التي يصنعها داخل أسرته ومحيطه. فالبنوك والجهات الرسمية لا تطلب بيانات سرية عبر الهاتف، ولا تحدث المعلومات بهذه الطريقة، وأي اتصال يخالف ذلك يجب أن يقابل بالشك والرفض وإنهاء المكالمة فورًا.
في زمن تتسارع فيه أساليب الخداع، لم يعد الحذر خيارا، بل ضرورة. فوعينا اليوم قد يحمي جيوبنا غدا، وقد ينقذ غيرنا من الوقوع في فخ محكم لا يرحم غفلة العابرين. كونوا على حذر.













