آخر تحديث: 18 / 12 / 2025م - 9:46 ص

ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تُعاش؟

المهندس أمير الصالح *

يصف بعض الساسة الغربيين منطقة الشرق الأوسط بأنها منطقة الرمال المتحركة، لكثرة الصراعات والانقلابات والاضطرابات والحروب. ويُعبّر عنها البعض بأنها منطقة المياه الدافئة. ويُعبّر عنها آخرون بأنها منطقة الوحل و… و… إلخ...

ولكثرة المآسي والجراحات التي عصفت بأجزاء كبيرة من منطقة الشرق الأوسط في العقود الأخيرة وما زالت مستمرة، يتبادر سؤال في أذهان العديد من شباب تلك المناطق الملتهبة، وهو:

ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تُعاش؟

قد تسمع أجوبة مختلفة، ومنها على سبيل المثال:

لنعبد الله، أو لنكون صلحاء، أو ليبلونا الله أيّنا أحسن عملًا، أو قدرنا أن نعيش هكذا حياة، أو إما أن نعيش بكرامة أو فلا… أو… أو…

والسؤال يعيد نفسه أكثر من مرة بفترات مختلفة؛ وقد تتولد أسئلة أخرى متفرعة، ومنها على سبيل المثال:

هل الإيمان بالله، أم الإقرار بالعبودية له، أم بالتلذذ عند مناجاته، أم بالسعي نحو الله عبر التخلق بأخلاق الله، أم استحصال مرحلة الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، والتقني، والصناعي، والزراعي، أم الاستمتاع الجسدي حد المجون، أم التهتك الأخلاقي حد الفسق، أم التشفي بمآسي الآخرين حد الرقص على جراح الآخرين، أم السعي لإحباط عمل الآخرين من الصالحين حد التهكم والاستهزاء، أم إحباط الناس أجمعين حد التبشير بالقنوط أم… أم الانغماس بأحداث تاريخية حد الغرق والانقطاع عن الواقع، أم الخوف من المستقبل حد القلق والفزع… إلخ، هي التي تعطي إجابة شافية، أم أن هناك أشياء أخرى.

استنطاق النفس الإيجابية عبر دراسة نقاط القوة الإنسانية، والقدرات الإيجابية، والعوامل التي تساعد الإنسان على تحقيق السعادة، والرفاه النفسي، وجودة الحياة، هو مطلب أساس ومدخل لبث روح الحياة، وتدوير دماء جديدة، واسترداد الدور الحضاري لأي مجتمع إنساني. وهذه الأمور تجعل الإجابة على التساؤل الأساسي أكثر إقناعًا وأكثر دافعية للاستمرار في العطاء. وتجذير النفس الإيجابية مهمة مناط بها كل عاقل رصين، ذو قلم نظيف، وقلب سليم، وفكر رصين، ورؤية واضحة، وإيمان صادق، وبصيرة نافذة، وكرامة عالية، وثقة بالنفس هادفة، وبعيدة عن أمراض: الرياء، والمناكفة، والاستفزاز، والإحباط، والتهكم. وأدعو عبر هذا المقال نفسي، وكل إنسان وفيّ ومخلص ومحب، يود رد الجميل لمجتمعه ووطنه ودينه، أن يُساهم في بث روح الإيجابية، وتحصين الشباب من الانكسار والسلبية والإحباط، وتجنب الحروب الكلامية العبثية، وبذل الجهود لتعزيز الثقة بالله، وتفادي نشر / إعادة نشر القصص المحبطة ولو بشق تمرة.

مع شديد الأسف، بعض المجتمعات يستنزفون واستنزفوا مواردهم وجهودهم وأوقاتهم:

1 - بالاقتصار على دراسة الاضطرابات والمشكلات النفسية، متناسين العدد الأكبر من أفراد مجتمعاتهم، أو

2 - بالحروب الكلامية المطوّلة التي تقوم بعضها على إبطال آراء الآخر لكي يستثمر الموارد لنفسه!!

3 - الاستهلاك النهم لكل ما ينتجه الآخرون ماديًا وترفيهيًا وإعلاميًا حد إلقاء الهوية، والتهكم على المحليين ممن يحاول أن ينجز شيئًا إيجابيًا في أي مجال.

ثم يتساءل ذات الأشخاص المتورطون في معارك الاستنزاف الوهمية بين الحين والآخر: كيف أنهم وأبناء قومهم الآن يعيشون، وعاشوا، على هامش الحضارة الإنسانية!!

عند المساهمة الإيجابية في رفع منسوب الوعي، والمشاركة الفعالة في الصناعة، وتوطين التقنية، والسعي للاكتفاء الاقتصادي، وبث روح الكرامة، واحترام حقوق الإنسان، وصيانة الأخلاق، والقيام بالدور الكامل في رعاية الأسرة، والسعي الدؤوب لاكتساب لقمة العيش الحلال، والابتعاد عن الرذيلة وأهلها؛ حينذاك يمكن أن يجيب الشخص على تساؤل السائل: ما الذي يجعل الحياة جديرة بأن تُعاش؟