الأديب السالم: المسابقات «مقبرة» الكبار.. وقصائد «التفصيل» تموت فور التتويج
حذر الأديب والمهتم بالشأن الثقافي، زكي السالم، أصحاب التجارب الأدبية الطويلة والراسخة من الوقوع في ما أسماه ”فخ“ المسابقات والجوائز.
وأكد في برنامجه «حديث الثلاثاء» على ”يوتيوب“، أن مغامرة الشعراء الكبار بتاريخهم الإبداعي، عبر عرضه على لجان تحكيم محدودة، قد تُعرّض منجزهم الأدبي للاهتزاز، وتضعهم أمام ضغوط نفسية واجتماعية قاسية في حال الخسارة، داعيًا إلى الاكتفاء برصيدهم الثقافي، أو خوض التجربة بروح رياضية عالية تتقبل النتائج بصدر رحب.
واستهل السالم حديثه بالإشارة إلى أن المسابقات الأدبية، رغم دورها الحيوي في تحريك الركود الثقافي واختصار طريق الشهرة للمواهب الشابة، إلا أنها تحمل في طياتها تفاصيل دقيقة قد يتسلل منها ”الشيطان“ ليفسد المشهد، لا سيما حين يتعلق الأمر بأسماء لها وزنها وثقلها في الساحة.
وخص المتحدث فئة الأدباء والشعراء الذين يمتلكون تجربة طويلة نسبياً بنصيحة مباشرة بعدم الدخول في نفق المسابقات المظلم، معللاً ذلك بأن هذه الفئة هي الأكثر تضرراً وحساسية تجاه النتائج، حيث يعتبرون عدم الفوز طعناً مباشراً في موهبتهم وتشكيكاً في تاريخهم الذي قد يفوق أعمار بعض المنافسين.
وأوضح السالم أن المأزق الحقيقي يبدأ عندما يُزاح الشاعر المخضرم عن المراكز الأولى بواسطة شاب في مقتبل العمر، مما يولد شعوراً بالامتعاض والانكسار لدى صاحب التجربة، ويدفعه لا إرادياً للتشكيك في نزاهة المسابقة والطعن في ذائقة المحكمين كآلية دفاعية لحماية صورته أمام جمهوره.
وبين أن عرض نتاج سنوات من الإبداع والتراكم المعرفي على ذائقة ثلاثة أو أربعة محكمين يمثل مخاطرة غير محسوبة العواقب، فإذا لم تنتصر اللجنة للقصيدة، لا يعني ذلك بالضرورة خللاً في الشعر أو الموهبة، بل هو مجرد اختلاف في الذائقة والمعايير لا يستحق أن يهدم المبدع تاريخه لأجله.
وانتقل السالم في حديثه إلى ظاهرة ”تفصيل“ النصوص، منتقداً بشدة تحول بعض الشعراء والروائيين إلى ما يشبه ”الترزية“ الذين يكتبون نصوصاً بمقاسات محددة لتوافق اشتراطات الجوائز، متخليين عن عفوية الإبداع وصدق المشاعر لصالح رغبات المانحين.
وأكد أن النصوص التي تكتب خصيصاً لغرض الفوز بجائزة ما، غالباً ما تكون قصيرة العمر، حيث ينطفئ وهجها وتموت فور انتهاء مراسم المسابقة، بعكس القصائد النابعة من وجدان صادق وموقف حقيقي، والتي يكتب لها الخلود وتعيش في ذاكرة الأجيال طويلاً.
وشدد السالم على أهمية أن يكتب المبدع ما يمليه عليه ضميره ومشاعره وثقافته الوطنية والوجدانية أولاً، بمعزل عن أي طمع في جائزة، فإذا تصادف وجود مسابقة تتبنى نفس الموضوع الذي كتب فيه بقناعة، حينها يمكنه المشاركة وهو مرتاح الضمير.
ونصح الشباب المتحمسين للمشاركة بضرورة قراءة الشروط والمحددات بدقة متناهية قبل الإقدام على أي خطوة، محذراً من تحولهم إلى ”بكائين“ يملأون الفضاء ضجيجاً بالطعن والتحريض عند الخسارة، ومطالباً إياهم بتقبل قواعد اللعبة أو اعتزال الملاعب مبكراً.
ودعا السالم في ختام حديثه الأدباء إلى الانشغال بتجويد مشاريعهم الثقافية ومراكمة تجاربهم، معتبراً أن التكريم الحقيقي للمبدع يكمن في جودة ما يكتبه وأثره في الناس، وليس في درع أو مبلغ مالي قد يفقده احترامه لذاته ولتاريخه إذا ما خضع لمقاييس لا تنصفه.













