بين الزمن الداخلي والذات الأنثوية
قراءة نفسية نسوية في ”أمشي وبجواري تمشي سلمى“ لحسن علي البطران
تُعد مجموعة ”أمشي وبجواري تمشي سلمى“ لحسن علي البطران نصًا سرديًا ينهض على بنية رمزية دقيقة، تتقاطع فيها ثيمات الزمن، المشي، والأنثى، ضمن خطاب يتجاوز الحكاية إلى مساءلة الذات والآخر. فالسرد هنا لا يُنتج أحداثًا بقدر ما يُنتج حالات نفسية، تُعبَّر عنها عبر لغة مكثفة وإيقاع زمني متوتر، يجعل من المرأة مركزًا دلاليًا ومحورًا نفسيًا وخطابيًا.
لا يُقرأ المشي في هذه المجموعة بوصفه حركة فيزيائية، بل بوصفه استعارة للزمن الداخلي. فالراوي يسير دون وصول، ويتقدّم دون نهاية، في إحالة واضحة إلى ما يسميه التحليل النفسي بـ ”الزمن الذاتي“، حيث تتداخل الذاكرة بالحاضر، والرغبة بالفقد.
إن استمرارية المشي تُحيل إلى حالة قلق وجودي، يتجلّى في:
• تكرار الفعل
• غياب الهدف
• تعليق النهاية
وهو ما يمنح النص توترًا نفسيًا دائمًا.
تحضر ”سلمى“ لا بوصفها شخصية مكتملة، بل كعلامة نفسية. فهي:
• ذاكرة أكثر من كونها جسدًا
• خطاب أكثر من كونها صوتًا
• رمز أكثر من كونها حدثًا
ومن منظور نسوي، فإن المرأة لا تُقدَّم بوصفها موضوعًا لرغبة ذكورية صريحة، بل بوصفها ذاتًا مُشكِّلة للسرد؛ فوجودها هو ما يحرّك المشي، ويُنتج الزمن، ويُفجّر الأسئلة الوجودية.
غير أن هذا الحضور يظل إشكاليًا، إذ إن صوت المرأة لا يُسمع مباشرة، بل يُعاد إنتاجه عبر وعي الراوي، ما يفتح المجال لقراءة نقدية تتساءل عن حدود الخطاب النسوي داخل النص.
يقوم الخطاب السردي على مفارقة نسوية دقيقة:
• المرأة مركز النص
• لكنها ليست المتكلمة فيه
فالأنثى تُمنح سلطة رمزية عالية، لكنها تُحرَم من سلطة الصوت. وهذا التوتر يعكس بنية سردية تُعيد إنتاج العلاقة التقليدية بين الذكر/الراوي والأنثى/الرمز، وإنْ بصورة جمالية عالية.
وفق النقد النسوي ”إيلين شووالتر“، يمكن القول إن النص يتحرك في منطقة وسطى بين:
• تفكيك الصورة النمطية للمرأة
• وإعادة إنتاجها بشكل رمزي غير مباشر
من زاوية التحليل النفسي، يمكن قراءة العلاقة بين الراوي وسلمى بوصفها:
• علاقة تعويضية
• أو إسقاطًا لرغبة غير محققة
• أو محاولة ترميم فقد قديم
فالمرأة تتحول إلى مرآة للذات، يعكس فيها الراوي هشاشته واغترابه، لا إلى شريك حقيقي في الفعل السردي.
يحضر الآخر في النصوص حضورًا هامشيًا، بوصفه:
• خلفية
• أو عبورًا صامتًا
وهو ما يعزز البعد النفسي للعزلة، ويجعل السرد مغلقًا على الذات، في انسجام مع طبيعة الزمن النفسي الذي يحكم النص.
تكشف مجموعة ”أمشي وبجواري تمشي سلمى“ عن كتابة سردية تُراهن على الرمز، وتُعيد تشكيل الزمن من منظور نفسي، وتضع المرأة في مركز الخطاب دون أن تمنحها الصوت الكامل. وبهذا تتأسس نصوص البطران على توتر جمالي بين الحضور والغياب، وبين الرغبة والفقد، ما يمنحها عمقًا نفسيًا ونسويًا يستحق قراءة نقدية معمقة.













