آخر تحديث: 13 / 12 / 2025م - 4:55 م

الأحساء.. من التنوع المذهبي إلى التنوع الثقافي

محمد الحرز * صحيفة اليوم

النظرة التي ترسخ تقسيم المجتمع وتصنيفه وفق هويات أفراده الدينية أو الطائفية أو الأثنية أو القومية، مهما كانت النوايا أو الأهداف من وراء هذه النظرة، أكانت تفسيرية للظواهر وتحولاتها الاجتماعية التاريخية أو إصلاحية ترتبط بالمتغيرات التي تجتاح العالم وتطوره الثقافي والعلمي والمعرفي، فإنها نظرة لا زالت تهيمن على أذهان الكثيرين الذين يؤكدون في خطاباتهم أنهم يرغبون في تجاوز جانبها السلبي الذي يؤطّر الناس ويصنفهم في هذه الهوية أو تلك، مدركين بالتالي سوء مثل هذا التأطير على فهم العلاقات الإنسانية والأخلاقية بين الجماعات في المجتمع الواحد، وعلى سوء تطور مجتمعاتهم وازدهارها.

لكن رغم هذا الوعي عند أصحاب هذه النظرة في إدراك مساوئ تصنيفها على المجتمع ثقافيا وسياسيا واقتصاديا ومعرفيا، إلا أنهم يقعون فيما كانوا يحذرون منه، تذكرت هذا الموقف واستدعيته حين كنت استمع إلى أوراق الندوات التي نظمها مركز عبدالله بن أدريس الثقافي في مدينة الأحساء قبل أسبوعين تحت عنوان «أثر التنوع الثقافي: الأحساء أنموذجا».

لا أهدف هنا إلى استعراض كل الأفكار التي تم طرحها من جانب المشاركين لكني سأعلق إجمالا على الانطباع العام الذي تلقيته جراء استماعي لهم.

وأول ما لفت انتباهي هو غياب الدلالات الثرية التي تشير إلى مصطلح «التنوع الثقافي «باعتبار هذا التنوع هو كل ما يشمل جوانب الحياة المختلفة للمجتمع المادية وغير المادية، والذي يدخل ضمن إطاره الموروث التاريخي والفكري والجماليّ والأدبي والأنثروبولوجي من عادات وتقاليد وطقوس وأزياء ومأكل وملبس وفنون شعبية. وإذا كانت هنا الأحساء النموذج المطروح في العنوان، فقد كنت أظن أني سأستمع إلى مقاربات تشير إلى هذه الجوانب بصورة أو بأخرى. لكن خاب ظني، فالحوار في الندوات أخذ منحى يغلب عليه طابع الحديث عن التنوع المذهبي في المعتقدات، والحديث عن الاختلافات الفكرية في فكرة التعايش مرة، وفكرة التسامح مرة أخرى، اللهم إلا حديث د. مشاري النعيم عن الجوانب الجمالية في فن البناء الأحسائي الذي تحولت إلى قيم ثقافية في حياة الأحسائيين، سوى ذلك لم يصعد الحوار إلى ما يشي إلى العلاقة بالمصطلح نفسه، فقط د. سعد البازعي تناول دلالة المصطلح في سياق تحولات المجتمعات الغربية من أحادية الدولة القومية إلى تعددها بفعل الأحداث الكبرى والحروب والهجرات.. ألخ.

والسؤال الذي ألحّ عليّ كثيرا بعد خروجي من الفعالية هو لماذا صورة الأحساء كمدينة كزموبولوتية كما عرفت في إحدى فتراتها التاريخية لا يستعاد فيها، إذا ما ذكر موضوع التنوع الاجتماعي والثقافي، إلا التنوع العقائدي والفقهي وكأن هذه الاستعادة يفرضه الحاضر في بعده الديني والسياسي فقط وليس ما يفرضه الحاضر في بعده التاريخي الطبيعي؟

هناك دارسون ومختصون بالتاريخ الأحسائي سينفون عن سؤالي فكرة الاستعادة تلك، لأنهم يرون في أغلب ردودهم - إذا ما اكتفينا بها حسب نظرهم - أن كتب الرحالة الذين كتبوا مشاهداتهم حين عبروا سواحل الخليج العربي عن الحياة الاجتماعية اليومية في تنوعها المذهبي هو دليل عندهم، من جانب على الرصد ووجود المعلومة، ومن جانب آخر على الاعتناء والحرص في إظهار هذا التنوع من طرفهم.

سؤالي لا ينفي بالمطلق هذا الجانب من الثراء والاعتناء ولا يتعارض معه، تركيزي في السؤال ينصب في طريقة النظر إلى المعلومة وطريقة توظيفها سواء تعلق ذلك بالمشاهدات والملاحظات للرحالة أو المعلومة الواردة في الوثائق التاريخية. فالسؤال بالنسبة لي لا زال قائما: لماذا يختزل المجتمع الأحسائي في استعادة الاختلاف في العقائد ولا يستعاد الاختلاف في طرق العيش في الحياة اليومية، الأول يستعاد من خلاله صراع الماضي الذي لا معنى له في الحاضر بينما الثاني يستعاد منه طرق معالجة المستقبل، وهو في ظني الأهم، وهو يتواكب تماما مع السياسات الثقافية التي تكرسها رؤية المملكة بما يتوافق والقوانين الدولية في مفهومها الشامل للتأثير الثقافي كقوة سياسية واقتصادية وحضارية للدول.