آخر تحديث: 13 / 12 / 2025م - 4:55 م

سيدة الأخلاق

رضي منصور العسيف *

إنّ السيدة فاطمة الزهراء هي جامعةُ الفضائل ومهبطُ النقاء، امرأةٌ خُلقت من الصفاء كما تُخلق النجومُ من الضوء. فقد «كانت عزوفةً عن الشرّ، ميّالةً إلى الخير، أمينةً، صدّوقةً في قولها، صادقةً في نيتها ووفائها، وكانت في الذروة العالية من العفاف، طاهرةَ الذيل، عفيفةَ الطرف، لا يميل هواها… إذ هي من آل بيت النبي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً» [1] .

ومَن يتتبع سيرة الزهراء يجد نفسه أمام مدرسة أخلاقية لا تنضب، رسمت لنا بأفعالها—لا بأقوالها فقط—معاني الرفق، والصبر، ولين الجانب، سواءً في تعاملها مع رسول الله ﷺ، أو مع أمير المؤمنين ، أو أولادها، بل وحتى مع خادمتها فضّة وجيرانها.

وفيما يلي بعض صور تلك الأخلاق الفاطمية الرفيعة:

لا تُكلّف زوجها

كانت الزهراء مثالًا للزوجة التي تفهم ضيق العيش وظروف زوجها، فلا تُرهقه بطلبات ولا تُثقله بما لا يقدر عليه؛ فهي تعرف أنّ البيت لا يقوم بالكماليات، بل يقوم بالرضا والتفاهم.

يروي أبو سعيد الخدري قال:

«أصبح علي بن أبي طالب ذات يومٍ ساغباً، فقال: يا فاطمة هل عندكِ شيءٌ نغتذيه؟

قالت: لا، والذي أكرم أبي بالنبوّة وأكرمك بالوصيّة، ما أصبح عندي شيء… وما كان شيءٌ أطعمناه مذ يومين إلا شيئًا كنت أوثرك به على نفسي وعلى ابنيّ هذين.

فقال عليّ : هلا أعلمتني فألفيكم شيئاً؟

فقالت: يا أبا الحسن، إني لأستحي من إلهي أن أكلّف نفسك ما لا تقدر عليه.» [2] 

إنها قمة القناعة… وقمة الوفاء.

مصدر للسعادة

لم يكن بيت أمير المؤمنين بيتًا للخصام أو الانفعال، بل كان واحةً للسكينة، ترفرف فيه الرحمة من كل زاوية. وكانت الزهراء هي النور الذي يبدّد حزن عليّ إذا نظر إليها.

يقول الإمام شهادةً خالدة:

«فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمرٍ حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمرًا، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان.» [3] 

هكذا تصنع المرأة الصالحة من بيتها جنّةً صغيرة.

لا تنسَ الجيران

لم تكن منعزلةً عن مجتمعها، ولا غافلةً عن حاجات جيرانها. كانت تُشركهم في الخير والدعاء، وتُقدم لهم من قلبها قبل يدها.

ويروي الإمام الحسن :

«رأيتُ أمي فاطمة قائمةً في محرابها ليلة الجمعة، فلم تزل راكعةً ساجدة حتى انفلق عمود الصبح، وسمعتُها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم، ولا تدعو لنفسها بشيء.

فقلت لها: يا أماه، لمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟

قالت: يا بُنيّ… الجار ثم الدار.» [4] 

إنه قلبٌ يتّسع للجميع… قلبٌ يعيش للناس كما يعيش لله.

لا تبخل

كانت سيدة الجود، لا تعرف يدها طريق البخل، بل كانت كفّها كغيمةٍ تمطر أينما حلّت.

وقد قالت عن رسول الله ﷺ:

«إيّاك والبخل، فإنه عاهة لا تكون في كريم… وإياك والبخل، فإنه شجرة في النار، وأغصانها في الدنيا؛ فمن تعلّق بغصنٍ من أغصانها أدخله النار.

والسخاء شجرة في الجنة، وأغصانها في الدنيا؛ فمن تعلّق بغصنٍ من أغصانها أدخله الجنة.» [5] 

وهكذا كانت فاطمة… غصنًا من شجرة الجود، يهبُ الناس ثمار العطاء دون أن يسألهم شيئًا.


[1]  أعلام الهداية فاطمة الزهراء سيدة النساء، ص 36
[2]  بحار الأنوار / ج 43 / ص 59
[3]  بحار الأنوار / ج 43 / ص 134
[4]  دلائل الإمامة للطبري / ص 52
[5]  دلائل الإمامة – محمد بن جرير الطبري – ص 71
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف