آخر تحديث: 13 / 12 / 2025م - 4:55 م

القبيح الحقيقي

سراج علي أبو السعود *

أحزنني ما نُشر قبل أشهر عن قصة طفلة مصرية من الإسكندرية، في المرحلة الابتدائية، أنهت حياتها تحت وطأة ضغوط نفسية قاسية، كان سببها تنمّر زميلاتها المستمر وسخريتهن من شكلها. والمشهد ذاته تكرّر في الولايات المتحدة، حين عُرض تقرير مصوّر لطفل في العاشرة من عمره أنهى حياته بعد أن جعله زملاؤه مادة للسخرية بسبب أسنانه ونظارته ومظهره، قبل أن يتطور الأمر إلى الاعتداء عليه بالضرب داخل حافلة المدرسة. ورغم تأكيد والده أنه تقدم بأكثر من عشرين شكوى، أنكرت المدرسة علمها بما كان يحدث. تَبقى الحقيقة الصادمة أن التنمّر، خصوصًا بين الأطفال، ليس حالة نادرة ولا سلوكًا عابرًا، بل خطر حقيقي له عواقب نفسية قد تصل إلى الموت. والتنبيه إلى هذه الكارثة ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة إنسانية مُلحّة.

يدرك معظم الآباء والأمهات - بدرجة أو بأخرى - ملامح النزعات العدوانية في سلوك أبنائهم إن وُجدت، لكن تجاهل هذه الإشارات، أو الاستهانة بها، وعدم المبادرة إلى تقويمها وردعها، يعني - من حيث لا يشعرون - صناعة ذرائع جاهزة لإيذاء الآخرين. فالتنمّر لا يولد فجأة، بل يُغذّى بالصمت، ويكبر بالإهمال. ومن جانب آخر، لا يمكن إعفاء المدرسة من مسؤوليتها في هذا المشهد؛ فينبغي أن يكون لها دور فاعل في مواجهة التنمّر، لا بمجرد العقاب، بل بزرع التوعية الأخلاقية داخل الحصص الدراسية، وفتح قنوات تواصل جادة مع أولياء الأمور لكشف الجوانب العدوانية في سلوك بعض الأبناء. كما يُفترض أن تمتلك المدرسة الجرأة والحزم في التعامل مع هذه الأنماط، لأن ضررها لا يقف عند لحظة عابرة، بل قد يخلف جراحًا نفسية عميقة، تبقى ملازمة لضحايا التنمّر إلى مراحل متقدمة من العمر.

إن الطفلة المصرية والطفل الأمريكي اللذين أنهيا حياتهما ليسا سوى نسبة ضئيلة من ضحايا هذه المأساة الصامتة، أما المتضررون نفسيًا من التنمّر فهم أكثر من أن يُحصَوا. فكم من طفلٍ كُسِرت روحه، وكم من نفسٍ تعلّمت الخوف والانطواء، دون أن يصل الأمر إلى الانتحار، لكنه قد يصل إلى ما هو أقسى وأطول أثرًا. وتبقى أسباب هذه الجريمة مشتركة بين والدين لم يملكا الحزم الكافي لردع سلوك طفلهما، ومدرسة لم تبادر بحزم لوقف هذا الانحراف، ولو بإجراءات رادعة صارمة. ولست هنا أدعو إلى القسوة المطلقة، لكن الفصل أحيانًا يكون علاجًا أخيرًا لوالدين بلغا من اللين حدًّا سمح لهذا السلوك أن يستفحل. وهنا يصدق القول: من أمِن العقوبة أساء الأدب. فلو وُوجه المتنمّر بعقوبة عادلة متناسبة مع خطئه، بلا إفراط ولا تفريط، لربما أُغلِق باب المأساة من بدايته. بل إنني أتجاوز الحديث عن عقاب الطفل إلى مساءلة والديه كذلك، لأنهما - شاءا أم أبيا - طرفان في هذا السلوك، بالصمت، أو بالتجاهل، أو بالتراخي. وهكذا، لا يكون القبيح في الأسنان، ولا في النظّارة، ولا في الملامح التي خُلِق بها الطفل دون اختيار، بل القبيح الحقيقي هو ذلك السلوك الذي يسخر ويؤذي ويكسر الأرواح ثم يمضي وكأنه لم يرتكب جرمًا. القبح ليس في الشكل، القبح في جوهر هذا الطفل المتنمر.