آخر تحديث: 13 / 12 / 2025م - 4:55 م

جهود الآباء التطوعية.. أنتجت نضج الأبناء هذا اليوم

تحية إكبار لمهرجان خلود العطاء بسيهات

جعفر العيد

”إنَّ التطوع هو ذلك المجهود القائم على مهارة أو خبرة معينة؛ والذي يُبذل عن رغبة واختيار بغرض أداء واجب اجتماعي، وبدون توقع جزاء مالي بالضرورة.“ [1] 

إنَّ التطوع مسألة عالمية تطرقت لها جميع الأديان السماوية؛ وأعظمها الدين الإسلامي الحنيف، فالتطوع هو أحد أسباب ديمومة المجتمع واستمرار عطائه واحتضان أيتامه، وفقرائه، ورحمة المسنين فيه من آبائه.

ومنذ عرفنا مجتمعنا المحلي شهدنا صورًا كثيرة لأعماله التطوعية، إلا أننا ومع الزحف المادي وطموحاته الكبيرة، التي آذنت بعزوف الناس عن العمل التطوعي، خصوصًا مع زيادة التوقعات من خدمات الدولة النفطية. لقد تطرقت بشكل تفصيلي إلى هذا الموضوع في مقالة بعنوان: دور المؤسسات الأهلية في رفع مستوى العمل التطوعي ”الواحة - العدد 25 الربع الثاني 2002 م“، تناولت فيه بعض المقترحات لإصلاح الوضع التطوعي، لكننا نشهد اليوم - ولله الحمد - طفرة كبيرة وبناءة في العمل التطوعي تقوده المؤسسات الأهلية. ويأتي مهرجان خلود العطاء في مدينة سيهات كعلامة بارزة لنمو وازدهار العمل التطوعي في بلادنا، ويقام هذا المهرجان احتفاءً بيوم التطوع العالمي الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في الخامس من ديسمبر من كل عام.

والحقيقة أنَّ العمل التطوعي في بلادنا خطا خطواتٍ واسعةً نحو التنظيم والتنسيق، وتقسيم العمل.

وغني عن القول إن أنواع العمل التطوعي التي أمست معروفة عالمياً هي: ”التطوع بالوقت، التطوع بالجهد، التطوع بالخبرة، التطوع بالمال، وهناك تطوع يدمج بين أكثر من نوع من أنواع التطوع“.

وبلا شك فإنَّ هذه الأنواع داخلة في جسم المهرجان الحالي، فهناك جهود وأيدٍ، قد لا تكون ظاهرة للإعلام تصنع هذا الإبداع، وتحقق هذا الإنجاز.

أنا واحدٌ من الجمهور الذي يلاحظ التطور والتقدم في التنظيم، إضافةً إلى اللمسات الجميلة التي أُدخلت على المهرجان لهذا العام.. وأسعدني ذلك.

الأفكار وتقدمها

الأفكار والتجارب يخلقان التقدم، فخلف هذا التنظيم الرائع الذي نشهده هذا العام 2025 م تجارب كثيرة، من الاعتماد على الطاقات المحلية، والمنتوجات البيئية الأولية كسعف النخيل، وإبداعات الأجيال السابقة المتمثلة في الخوصيات، والقفاصيات، وأنواع الشباك التي استخدمها البحارة سابقاً.

إلا أنه وبفضل الإقبال المنقطع النظير من سكان المنطقة الشرقية خصوصًا: ”القطيف، وسيهات، وتاروت، وحلة محيش، والجارودية، وبقية المناطق“؛ تتكامل هذه الجهود مع الإطار التنظيمي والتشجيعي للعمل الطوعي الذي تضمنته إستراتيجية 2030، التي ضمّت بنودًا كثيرة تخص العمل التطوعي وتشجيعه، ورفعه إلى مستويات عالمية في البلاد.

ولا يزال هناك أفق كبير يمكن أن يسهم به المتطوعون في دفع التنمية الوطنية للبلاد.

اليوم وحيث يتسنم العمل الطوعي في بلادنا هذه المكانة، أصبح من حقّنا أن نبدي ارتياحنا، وسعادتنا، وإعجابنا ببعض الجوانب التي تسهم في هذه الجهود التطوعية.

من هذه الجوانب التي ظهرت بشكل معقول في هذا المهرجان، ونتمنى أن تتواصل في المهرجانات الأخرى:

قلب سيهات

1. غياب الفردية والعشوائية.. ونقصد هنا تلك الجهود الفردية التي لا تصب في تحقيق المصلحة الجماعية.

2. كثافة التخطيط والتنظيم.. والنتائج تتبع المقدمات؛ فالمقدمات التي سبقت إقامة هذا المهرجان ومتابعة تنفيذ الخطوات، تؤدي إلى هذه الصورة الجميلة في المهرجان.

3. الإبداع في تنوع الأركان أدى إلى مزيد من الجمالية. ربما لم تلبِّ هذه الأركان بعض الأعمال والتخصصات، إلا أنَّ جمعية سعادة بسيهات كجهة مشرفة، لها شرف المبادرة والتجريب، ويمكن إعادة النظر لأركان أكثر ملاءمة في الأعوام القادمة.

4. المكان.. اختيار حديقة سيهات العامة.

عندي شعور بأن المنظمين اختاروا أن يأخذونا إلى أعز مكان عندهم، وأعز مكان في جسم الإنسان هو القلب.

سيهات احتضنت زوارها في قلبها

المكان جيد لهذه المرحلة وإن كان - كوجهة نظر شخصية - قد صعّب المهمة على المنظمين، والقائمين على المهرجان.

ومع أننا نعتبره نجاحًا نسبيًا، لكننا نتأمل أن تكون هناك ”في المستقبل“ صالات كبيرة للمعارض، والمهرجانات في القطيف، وسيهات لتخدم هذه الأهداف.

يمكن أن تؤسس هذه الصالات في الجبال التي لها دور في تاريخ سيهات، وهي فرصة لحفظ وتسجيل هذه الأماكن، وكذلك القطيف، أو تاروت.

هذه الصالات تكون شبيهة بصالة المعارض في الظهران، من أجل الحفاظ على أعمال المشاركين، والقدرة على الحفاظ عليها، إضافةً للتحكم في البوابات ليلاً، من حيث الفتح والإغلاق.

أخيراً...

نتوقع من إدارة المهرجان أن تصدر تقريرًا وافيًا يتضمن أرقامًا وإحصاءات للجهود التي بُذلت، وعدد الزوار، والنتائج المستخلصة، مع دعائنا الكبير لكل امرأة، أو رجل بذل جهدًا، أو مالاً، أو وقتًا، في هذا المهرجان، وإلى مزيد من المبادرات التطوعية الخيرية في بلادنا.

[1]  سيد أبو بكر حسانين، أستاذ طريقة الخدمة الاجتماعية - تنظيم المجتمع