السعودية وطنين النحل
على سواحل القطيف في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، حيث تتداخل رائحة الملح مع خضرة المانجروف، لا يبدو النحل مجرد كائن يطير فوق الزهور، بل مؤشرًا حيًا على مستقبل صناعة واعدة تبحث عن بيئة حاضنة ترتقي بها إلى مستوى الإنجازات التي يحققها نحّالو المنطقة.
جاء فوز النحال السعودي خالد الأبيض بالمركز الأول في مسابقة أفضل عسل سائل ضمن المؤتمر الدولي الخامس عشر لاتحاد النحالين العرب بمدينة شرم الشيخ، متفوقًا بين 191 عينة مشاركة، ليؤكد من جديد أن النجاح الفردي في المملكة يتجاوز حدود الإنجاز الشخصي، ويعكس طاقة كامنة تنتظر الاستثمار المؤسسي.
هذا الفوز، الذي دعمه تقييم كيميائي وحسي بلغ 98.67%، ثمّنه المتابعون كإشارة واضحة على قدرة المنتج السعودي على المنافسة عالميًا، لا سيما مع حلول عسل ”نسيم العويشير“ ثانيًا في الفئة ذاتها بتقييم 97.67%، في تنافس يعكس ارتفاع معايير الجودة في المناحل السعودية، واتساع القاعدة التي يعمل فيها مربو النحل في المنطقة الشرقية عمومًا، وفي القطيف على وجه الخصوص.
تمتلك محافظة القطيف مزيجًا بيئيًا نادرًا يجعلها من أغنى المناطق السعودية لإنتاج العسل، بدءًا من غابات المانجروف الممتدة على ضفاف خليج تاروت، مرورًا بالنباتات الرحيقية مثل القرض والقتاد، ووصولًا إلى المناخ الساحلي المعتدل الذي يمنح العسل خصائص جودة عالية. ورغم هذه المزايا، ما زالت الصناعة المحلية بحاجة إلى بيئة حاضنة أكبر تترجم هذا الثراء الطبيعي إلى مشاريع مستدامة، ومراكز بحثية، وممرات سياحية بيئية، وكيانات تجارية قادرة على تقديم ”عسل القطيف“ كعلامة سعودية منافسة على المستوى العالمي.
إن نجاح النحال الأبيض وغيره من نحالي القطيف يقدم رسالة واضحة لصناع القرار.. أن هذه الصناعة ليست مجرد نشاط فردي، بل فرصة تنموية متكاملة يمكن أن تسهم في الأمن الغذائي، وتنعش الاقتصاد المحلي، وتدعم برامج الاستدامة البيئية، وتضيف بعدًا جديدًا لرؤية المملكة الطموحة.
ولتحقيق ذلك، يبرز عدد من الاحتياجات الملحّة، من أهمها.. إنشاء محميات مراعي رحيقية تحمي النباتات الطبيعية الحيوية للنحل. تأسيس مركز سعودي لعلوم النحل في القطيف يجمع بين التدريب والاختبارات المخبرية والابتكار. تطوير مسارات للسياحة البيئية تبرز غابات المانجروف وتربية النحل كجزء من هوية المنطقة. دعم علامة تجارية موحدة لعسل القطيف، ترفع من قيمته التسويقية وتحمي أصالته. تمكين الشباب النحالين عبر برامج تمويل ودعم فني، ليكونوا جيل الإنجازات القادمة.
فوز النحال السعودي خالد الأبيض ليس مجرد إضافة إلى سجل الجوائز، بل مؤشر حقيقي على أن القطيف تملك المادة الخام للتميز، وأن النحالين السعوديين قادرون على الوصول إلى أبعد من المنصات العربية إذا وجدوا الدعم المؤسسي الكافي. وما بين المانجروف الساحلية وتنوع الغطاء النباتي وروح المبادرة لدى أبنائها، تبدو القطيف مؤهلة لأن تتحول إلى عاصمة خليجية لصناعة العسل، إذا ما تحركت الجهات المختصة لاستثمار هذا الزخم وتحويله إلى مشاريع تُبهر العالم كما أبهرت نتائج المنافسة الأخيرة في شرم الشيخ.













