آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 12:03 ص

جسر بحري يتمدد على جسد الذكريات

أثير السادة * صحيفة الوطن

في افتتاح الجسر البحري الموصل بين مدينتي صفوى ورأس تنورة، والعابر من فوق خليج تاروت، تزاحمت صور التدشين الرسمي في وسائل التواصل مع صور هواة صيد الأسماك الذين أعادوا تعريف الوجه التنموي والسياحي لهذا الجسر عبر الاحتشاد والتجمع لممارسة هواية الصيد، خاصة أن الجسر قد وهبهم فسحة للوصول والوقوف في المواقع الجانبية على طرفيه، بعيدا عن الصخور ومصدات الأمواج التي اعتادوها في امتداد الواجهات البحرية بالمنطقة، والتي تجعل من مصير سناراتهم عرضة للانحشار بينها.

وفرة الأخبار المتناقلة يومها زاحمتها وفرة الصيد الذي كشفت عنه المقاطع المصورة، وفرحة الافتتاح بعد الانتظار الطويل لهذا الجسر رافقتها فرحة أهالي صفوى بالتحديد ممن وجدوا لهم أخيرا سبيلا لمصافحة ساحلهم ولو من فوق الجسر، فهذه المدينة المطلة على الساحل بقيت طيلة عقود بلا سواحل، ولا متنزهات بحرية، فيما يشبه القطيعة مع ثقافة المكان وذاكرته المبللة بماء البحر، ما جعل هواة الصيد فيها سابقا يقصدون الجبيل ومنيفه والسفانية، إضافة إلى كورنيش رحيمة لاستعادة صورتهم القديمة، وعلاقتهم الأثيرة مع مهنة الصيد، والتي استحالت اليوم مجرد هواية جميلة لدى طيف واسع من شبابها ممن يزاولونها على أطراف السواحل.

هذه الحماسة للاستفادة من الجسر في ممارسة الهواية إياها تهبنا التفكير في طبيعة التنظيم والتصميم الذي انتهت إليه الكثير من سواحل المنطقة، والسؤال إذا ما كان المطورون لشواطئنا مشغولين بهوية المكان، وطبيعة العلاقة بين ناسه والبحر، باعتبار أن هذا البحر هو مكون رئيس من مكونات الثقافة، بقدر ما هو عنصر فاعل في شكل علاقات المكان الاجتماعية. سكان السواحل يشعرون بأن البحر هو شرط من شروط وجودهم، فهم يرون أنفسهم ركابا في سفينة غارقة ساعة لا يرونه حولهم، وإذا ما كانوا يذهبون إليه بالأمس لنيل ما يكفيهم أسباب الحياة، فإنهم اليوم يقصدونه للغرف من ذاكرته، والشعور بجدارة الصداقة القديمة معه.

هذا البحر المنبسط بزرقته يختلط بذاكرة الناس في المدن الساحلية، لذلك لا يبدو لهم مجرد منظر خلفي، كلما ابتعدت المسافة بنيهم وبينه، راحوا يشيدون جسورا متخيلة معه، ويطرزون من الأمنيات ما يهبهم السفر فيه، والجلوس على أطرافه، والسباحة فيه، وهذه الأخيرة هي أكثر الأشياء غيابا عن تخطيط الشواطئ وتصميمها، فأغلب الشواطئ المتاحة لا تعدو أن تكون مساحة لاختبار المشي بقدميك، والجلوس قبالة البحر. مؤكد أن ثمة خشية على أرواح الناس يبرر في كثير من الأحيان هذا التضييق على فكرة السباحة في الخليج، غير أن فتح نوافذ أكبر لتعليم السباحة وتهيئة الأماكن بالإرشادات يمكن أن يعيد للفكرة اتزانها وواقعيتها للتنفيذ.

والحال أن الجسر الجديد فتح باب القلب على سيرة البحر، وأعاد الرغبة في استدماج هوية المدن الساحلية في تصميم المشاريع التطويرية لهذه السواحل، والذهاب أبعد في الحفاظ على التراث البحري الثقافي، المادي منه وغير المادي، فبمثل ما هنالك حاجة لهذا الجسر الحيوي هنالك أيضا حاجة لبناء جسور مع ثقافة الساحل لتحويلها إلى مرافق وبرامج وأنشطة، من خلالها نحتفي بذاك التفاعل القديم بين إنسان الساحل والفضاء المحيط به، التفاعل الذي تضاءل مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية، ويحاول الشباب اليوم بأدوات صيدهم القبض عليه والحفاظ على ما تبقى من أشيائه.