آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 12:03 ص

يد مقبوضة

ورد عن أمير المؤمنين : «إِذَا لَم يَكُن للهِ فِي عَبدٍ حَاجَةٌ ابتَلَاهُ بِالبُخلِ» [الكافي ج 7 ص 316 ].

يتساءل المرء عن علائم وموجبات قربه من رحمة الله تعالى ولطفه ورضوانه، وبلا شك أن الأمر يعتمد على العمل الصالح والإخلاص في كل ما يصدر منه من أعمال يقصد به وجه الله تعالى نقية من شوائب المراءاة، ويضع الإمام نصب أعيننا علامة مهمة يقع بعدها الفرد على مفترق طرق بين محبة الله تعالى أو البعد عنها، وهي مسألة العطاء والبذل كسلوك مستمر يصدر منه كموقف إنساني يطل به على آلام وحاجات الناس، ومتى ما تبلّدت الأحاسيس الوجدانية وارتفع منسوب الأنانية وتأليه الذات أعرض المرء عن هموم وحوائج الناس من حوله، ولذا البخل لا يقتصر في مفهومه على الجانب المالي مع القدرة على العطاء، بل يتعدّاه ليشمل البخل المعنوي والعاطفي والانكفاء على النفس مهما علت أصوات الأنين والضيق النفسي ممن هم حوله، وصوت الإنسانية النبيلة كما يشير مفهوم هذه الحكمة هو خلافة الإنسان خالقه في أرضه والشراكة الفاعلة مع الطبقات المجتمعية المختلفة عن طريق استشعار حاجاتهم.

يعبّر الإمام عن العطاء الإلهي بنحو مجازي بعبارة «حاجة»، والمقصود بها خط السعادة والتكامل والنجاح الذي ترسمه التعاليم الإلهية للإنسان من خلال تكريمه وتشريفه بدور اجتماعي معتبر، فأمر العطاء لا تعود فائدته على المحتاج بقدر ما تعود على الباذل، فالبخيل ينظر إلى العطاء من خلال منظور مفهوم الخسارة والنقص في المال أو الجهد أو الوقت فتعزف نفسه عنه ويُعرض عن مصادر هموم الغير، وأما العاقل الأريب الذي يعمل جاهدا على تحويل عمره إلى محطات عمل ورصيد أخروي، فيقتنص أي فرصة للعطاء بما يستطيع وبأي شكل من أشكال العطاء، فإذا رأيت إنسانا يُفتح له باب الإحسان فاعلم أنّ الله تعالى يريده أن يكون ممرا لنور الخير، وأما البخل فهو بلاء يفسد علاقة الإنسان بربه وبذاته وبالناس.

الإمام علي يشير إلى أنّ الله تعالى إذا أراد إبعاد العبد عن دائرة التأثير ابتلاه بالبخل ليُغلق بابه أمام الخير فيصبح محروما من لذّة العطاء ومقطوعا عن تفاعلات الرحمة الاجتماعية وأسيرا للخوف من الفقر أو الطمع في المزيد، فالبخيل لا يفقد جزءا من ماله فحسب بل يفقد بركة وجوده الفاعل والمؤثر في المجتمع.

العطاء بمختلف ألوانه له آثاره الإيجابية على شخصية الإنسان وتنميتها ورقيها وحضورها الاجتماعي الفاعل، فيبعث في النفس الثقة والسعادة الداخلية حينما يرسم الابتسامة على الوجوه المحفور عليها آثار الحزن والألم.

البخيل لا يثق في وعد الله تعالى بالرزق فيعيش وكأنه هو الرازق لنفسه، فالبخل انعكاس لضعف التوحيد واهتزاز الإيمان بأن الله تعالى هو المعطي والمانع، فالمبتلى بالبخل يخرج من دائرة الاصطفاء ويخسر فرصة أن يكون اسما من أسماء الخير في الأرض.

وحكمة الإمام علي تفتح أمامنا باب التفكّر، فهل نحن من الذين يريد الله تعالى لهم دورا في الخير أم ممن تركهم لبلاء البخل؟

إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله تعالى

فانظر: هل فتح لك باب العطاء أم ابتلاك بضيق النفس وتبلّد الوجدان؟