آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 12:03 ص

تأثير علم الصوت في اللغة العربية

زهراء السلهام

قال تعالى:

﴿إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ [الشعراء: 137].

أين خبأ التاريخ علوم البشر، وكل علم في الكتاب مسطورٌ؟ وهل أتى على لغتنا الجميلة حينٌ من الدهر، وكل شيء في الكتاب دستورٌ؟

إن اللغة العربية هي اللغة التي كلم الله بها آدم؛ قال تعالى:

﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة: 31].

وأما اللغات الأخرى فقد تكونت بعد طوفان نوح؛ فقد حصل للناس انتشار وبعثرة، ومن هنا تفرق الناس في مناطق بعيدة واخترعوا أصواتًا خاصة بهم. حينها بدأ الإنسان يخرج من نطاق الأصوات الأصلية التي صممها لنا الله سبحانه بجهاز نطق متناسق مع النفس والمخ والقلب، وأي صوت خارج الأصوات الأصلية يكون صوتًا نشازًا كونيًا.

وهكذا تكونت اللغات الأخرى. أمّا الآية الكريمة:

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ [الروم: 22].

فليس معناها اختلاف اللغات، بل المقصود بها اختلاف نبرة الصوت كما يطرح النص، وهي فكرة غير مسبوقة بعلم الكلام أو علم الأصوات، أما اللغات غير العربية فقد تكونت بأصوات نشاز.

هيا فلنبدأ بصياغة الحروف العربية الساحرة، ووضع مسمياتها؛ لنعرف أصواتها، ولنهتف بنبراتها الأصيلة، ونقوم بنطقها نطقًا سليمًا؛ لتظهر دلالاتها ويزول عنا الخطر. لن يُطلب منك أن تأتي بعرش بلقيس قبل ارتداد البصر، ولن أقول لك امشِ على الماء في البحر، ولن آمرك بالطيران وبالصلاة وقت السحر؛ ففي علم الكتاب قد تأتي بكل ما ذُكر.

بعلم الأولين جاء سليمان النبي، وبعلم من الكتاب أحضر عرش بلقيس، وجاء صرحه الممرد زاهيًا قبل ارتداد البصر. وبالعلم نفسه مشى الإمام علي على الماء الراكد فوق النهر، ورسول الله أُسري به من المسجد الحرام إلى بيت المقدس ليلًا وعاد وقت السحر.

وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسًا، كما قال تعالى:

﴿وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا [طه: 108].

الله سبحانه وتعالى أعطى للصوت قوة، وجعله أعظم شيء في الكون. الضوء يتلاشى في السماء أو في البحار أو في الأرض، والبرق هو الصورة المضيئة المتقطعة؛ قال تعالى:

﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا [البقرة: 20].

أما الرعد فهو الصوت الأقوى؛ قال تعالى:

﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ [الرعد: 13].

القرآن نزل على نبي من أنبياء فرع إسماعيل، واسم إسماعيل يفسر في النص بأنه: ”اسمع + إيل“، ومعنى ”إيل“ المتصل بالشيء. ومن إسماعيل جاء النبي محمد ﷺ الذي نزلت عليه الآية السمعية الصوتية، ووضع الله سبحانه وتعالى الأصوات في ما سماه ”السلم الصوتي“؛ قال تعالى:

﴿أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ [الطور: 38].

صوت القرآن يمشي بنسق معين، ومن عجائبه أو أسراره - كما يذكر النص - أنه لا توجد أي كلمة في القرآن الكريم الدال فيها تسبق الشين، ولا يصح صوتيًا استبدال مواقع الحروف؛ لأنه يسبب شذوذًا صوتيًا، فالشذوذ الصوتي يتسبب بالإضرار بصحتك، فالسمع أكبر وسيلة استقبال؛ قال تعالى:

﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف: 204].

أنشأت الصين أكبر طبق سمعي ”أذن كبيرة“ في منطقة جبلية لتتلقى أي إشارة نازلة من قمر صناعي. لقد تأسس العلم الغربي على الصورة والنار والحديد، أما الصوت فهو أقوى مخلوق في الكون خلقه الله، وله القدرة على تحريك الأشياء الثقيلة بحيث لا يقدر عليها الضوء ولا الحديد. وليس أدل على ذلك من قوله تعالى:

﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ [الإسراء: 64].

وقوله تعالى:

﴿لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ [الصافات: 8].

وفي موضع آخر:

﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى [طه: 13].

وقوله:

﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى [الرعد: 31].

ويذكر النص أن لفظ ”قرآن“ هنا نكرة، والمقصود به نسق صوتي معين للترددات الصوتية التي بها نُقِل عرش بلقيس نقلة لا يقوى عليها الحديد ولا النار.

علم الأولين إنما هو علم الكتاب، وهو عبارة عن السنن الإلهية، وهي باقية كسنن كونية لا يغيرها متغير. قال تعالى:

﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ [آل عمران: 79].

هل سيسمح الله باختراق الإنسان؟ إنه الحافظ، قال تعالى:

﴿وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ [الأعراف: 137].

فسنة الله سبحانه وتعالى أن ترجع الدائرة منغلقة على بعضها.

الفرق بين علم الأولين وعلم اليوم أن النبي عيسى يأخذ الطين ويعمله على هيئة طير وينفخ فيه فيكون طائرًا يطير بإذن الله، واليوم يأخذون الطين وينفخون فيه فيصنعون قنبلة نووية مميتة. النبي عيسى علمه علم الحياة، وعلوم اليوم علم الموت، تتحول الكتلة إلى طاقة مطلقة تدمر الأرض ومن عليها.

ليست كل علومهم صائبة، فهناك أدلة قرآنية يذكرها النص تنسف كروية الأرض. التكوير ليس للكل، بل للجزء؛ قال تعالى:

﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر: 5].

وقال تعالى:

﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير: 1].

والجزئيات تتكور، والكليات تستقيم؛ قال تعالى:

﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك: 15].

إن شكل الدواب شكل مصغر للأرض، والأرض لها ظهر كما للدواب ظهر؛ قال تعالى:

﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ [الزخرف: 13].

وعليه فالأرض لها ظهر، والدواب لها ظهر ”العمود الفقري“.

قال تعالى:

﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ [الشعراء: 198].

وكلمة ”الأعجمين“ هي اللغات الأخرى في سياق النص.

إن الخير هو الوجود وكمال الوجود، فنحن مفطورون على حب الجمال ولذلك نفزع من الجلال. خلق الله هذا العالم لأن عالم المادة يقتضي النواقص ليصل إلى الكمالات، فلا ينال الكمال إلا بهذا الوجود.

والآن، هل وصلنا إلى الهدف الحقيقي؟ وهل استوعبنا الأسرار من مبتغاها؟ فلنحافظ على لغتنا.

إن لغتنا مقدسة، وتقديسها هو تعلمها بطريقة صحيحة وإدخال صوت الحروف في مناهج التعليم بالمدارس، ووضع مسمياتها ومعرفة أصواتها والهتاف بنبراتها. لذا ينبغي علينا أن نحافظ على الإرث الحضاري الذي تتمثل به اللغة العربية، التي لعبت دورًا كبيرًا في تقدم الحضارة الإنسانية، وهي اللغة التي كان يتغنى بها الغرب والشرق يومًا ما.

ولزامٌ علينا الحفاظ عليها ووضعها في المكان المناسب بين لغات الأمم، وأن يكون استخدامنا للغات الأعجمين فقط للحاجة. ولقد لاحظنا مع شديد الأسف أن البيوت لم تعد تتخاطب مع أطفالها بالعربية حتى يكادون يفقدون لغتنا العربية، فلغة القرآن لا يغني عنها بديل.

قال أحد البريطانيين المحاضرين في التاريخ العربي القديم:

”إننا لا نستطيع أن نميتكم ما دام القرآن فيكم، أنتم أمة تنام لكن لا تموت“.

وبهذا نصل إلى غاية المطلوب والهدف من المكتوب.