آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 12:03 ص

325 كتابا هل تكفي؟

علي جعفر الشريمي * صحيفة الوطن

أعلن المركز الوطني للمناهج قبل أيام عن تطوير ثلاثمائة وخمسة وعشرين كتابًا تعليميًا خلال عام واحد، ضمن مقررات العام الدراسي 2025، في خطوة وُصفت بأنها جزء من مشروع مواكبة احتياجات سوق العمل المستقبلي. الإعلان لافت من حيث الحجم والسرعة والهدف، لكنه يفتح سؤالًا مركزيًا لا يقل أهمية: هل يكفي تحديث الكتب لإحداث تغيير حقيقي في التعليم؟

تطوير هذا العدد الكبير من الكتب يمثل تحركًا واضحًا نحو تحديث المحتوى، خصوصًا مع إدخال مواد جديدة ترتبط بقطاعات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والسياحة والضيافة. هذه المؤشرات توحي بأن هناك رغبة جادة في توجيه التعليم نحو آفاق جديدة. إلا أن التعليم لا يقوم على المحتوى وحده، بل على عناصر مترابطة، يأتي في مقدمتها البيئة المدرسية والمعلم.

فالكتب وحدها لا تغيّر طريقة التعلّم، إلا إذا تغيّر معها شكل الفصل، وطريقة عرض الدرس، وأسلوب الإدارة، والوقت المخصص للتجريب، والقدرة على التطبيق العملي. البيئة التعليمية هي التي تسمح للمقرر بأن يتحول من صفحات مطبوعة إلى تجربة تعليمية حقيقية. وهذا الجانب لم يظهر بوضوح في الإعلان، ولا في تفاصيل الخطة، رغم أنه الركيزة التي تُختبر عندها جدية أي تطوير.

يبقى المعلم، وهو العامل الأكثر حساسية وواقعية في العملية التعليمية. الكتب الجديدة تحتاج إلى معلم مدرَّب، وقادر على شرح مفاهيم جديدة، ومستعد للانتقال من أسلوب التلقين إلى أسلوب التفاعل. السؤال هنا: هل حصل المعلم على التدريب المناسب؟ هل أُعطي الوقت الكافي لفهم المناهج الجديدة؟ وهل يشعر أن التغيير يساعده، أم يزيد أعباءه؟ أي إصلاح لا يمر بالمعلم، غالبًا يتوقف عند حدود الورق.

وإضافة إلى ذلك، ثمة بُعد تقني لا يمكن تجاوزه. مقررات الذكاء الاصطناعي، مثلًا، تحتاج إلى معامل ووسائل تعليم رقمية ومصادر مفتوحة ومشاريع تطبيقية، وإلا ستبقى المفاهيم حبيسة الشرح النظري. التجهيزات ليست تفصيلًا، بل شرطًا أساسيًا. فما فائدة المنهج الحديث إذا كانت المدرسة ما زالت تعاني من نقص في البنية الأساسية أو ضغط الحصص أو ازدحام الفصول؟

هناك أيضًا جانب نفسي غير مرئي: هل يشعر الطالب أن التغيير خُلق لأجله؟ وهل يشعر المعلم أنه شريك فيه؟ المناهج الجديدة تحتاج إلى دافعية، لا إلى تنفيذ آلي. وحين تصبح المدرسة بيئة مكتظة بالواجبات وقليلة في التحفيز، يصبح التغيير جهدًا شاقًا بدل أن يكون فرصة.

يبقى الأهم: كيف سيُقاس أثر هذا التحديث؟ تطوير المناهج أمر مهم، لكن الإهمال في قياس النتائج يجعل الإنجاز رقميًا لا نوعيًا. المحتوى الجديد يحتاج إلى متابعة، وتقييم، ومؤشرات أداء واضحة تربط بين المنهج والمهارة، وبين الدرس والواقع.

لذلك، فإن تطوير ثلاثمائة وخمسة وعشرين كتابًا خطوة كبيرة، لكنها ليست الخطوة الأخيرة، ولا الخطوة الحاسمة. التغيير الحقيقي يبدأ عندما تتغير البيئة، ويُفعّل المعلم، ويصبح الفصل مساحة للتجريب، ويتحوّل الطالب من متلقٍ إلى مشارك.

السؤال الحقيقي إذن: هل نتعامل مع الكتب كحل؟ أم كبداية فقط؟ الجواب سيظهر ليس في الأخبار... بل في الفصول.