آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 9:11 ص

مهرجان الربيان في مشروع الرامس وسط العوامية

عميد أبو المكارم *

في قلب العوامية، حيث يلتقي البحر بذاكرة الناس، كان مشروع الرامس بوسط العوامية يفتح أبوابه ليحكي قصة جديدة. فلم يكن المكان مجرد مبانٍ أو ساحات، بل تحول إلى فضاء نابض بالحياة حين احتضن مهرجان الربيان 4 ذلك الحدث الذي جمع بين التراث والفرح، وبين الثقافة والاقتصاد، وبين الماضي والحاضر في لوحة واحدة.

بدأت الحكاية مع توافد الزوار من مختلف مدن المنطقة الشرقية، يحملون فضولًا لمعرفة ما يخبئه المهرجان. الأطفال يركضون ببراءتهم وحبهم للمعرفة، والشباب يتأملون الأركان المزينة بما جاد به البحر من خيرات، والنساء يتبادلن وصفات الربيان التي ورثنها من الجدات. كان المشهد أشبه بعرس جماعي، حيث يجد كل فرد نصيبه من المتعة والمعرفة.

في أركان المهرجان، كانت ورش العمل تفتح أبوابها لتعليم الزوار طرق الصيد التقليدية، وتكشف أسرار المهنة القديمة التي شكّلت جزءًا من هوية الساحل الشرقي. وعلى الجانب الآخر، كان الطهاة يقدمون عروضًا حية، يحولون الربيان إلى أطباق شهية. الأطفال وجدوا في الأنشطة التفاعلية مساحة للمرح والتعلم، بينما الشباب شاركوا في مسابقات تثقيفية أضافت روح التحدي والمتعة. بدا المهرجان كأنه كتاب مفتوح، كل صفحة فيه تحمل درسًا أو ذكرى أو متعة.

ولم تقتصر الحكاية على الفعاليات وحدها؛ فقد كان حضور الفرق التطوعية هو النبض الحقيقي للمهرجان. شباب وفتيات من المنطقة اندمجوا في تفاصيل التنظيم، ساعدوا الزوار بابتساماتهم، وأداروا الفعاليات بروحٍ من الحماس والانتماء. لقد أتاح المهرجان فرصًا للتطوع جعلت المجتمع شريكًا في صناعة النجاح، وأكد أن التطوع ليس مجرد مساعدة، بل هو لغة انتماء وولاء للمكان.

ومع كل هذا الزخم، شدّت أنظار الزوار روعة التنظيم والإبداع؛ فكل ركن كان في مكانه، وكل فعالية لها توقيتها، وكل فريق يعرف دوره بدقة. لم يكن الأمر مجرد ترتيب، بل كان أشبه بقصيدة شعرية، حيث المنظمون ينسجون أبياتًا من الانضباط والإبداع، والمشاركون يضيفون إليها قافية من الحماس والروح. الزوار أنفسهم كانوا يرددون كلمات الإعجاب: ”هنا نشعر أن كل شيء محسوب بدقة، وأننا جزء من تجربة استثنائية.“

ولعل ما أضفى على الحدث جمالًا إضافيًا هو حضور الفرق الشعبية التي قدّمت عروضًا فولكلورية، لتعيد إلى الأذهان أصوات البحر وأناشيد الصيادين، وتمنح المهرجان روحًا أصيلة تتناغم مع تراث المنطقة وتزيده بهجة ودفئًا.

وفي ختام الحكاية، ارتفعت كلمات الشكر لتصل إلى من رعوا هذا النجاح. إلى سعادة محافظ القطيف الأستاذ عبدالله بن علي السيف، الذي منح المهرجان حضورًا رسميًا يليق به، وإلى سعادة مدير عام فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بالمنطقة الشرقية المهندس فهد بن أحمد الحمزي، الذي دعم الفعالية لتكون منصة للتوعية البيئية وحماية الثروة البحرية. كما يتوجه الشكر إلى مشغلي مشروع الرامس بوسط العوامية الذين أتاحوا لهذا المكان أن يكون منصة نابضة بالحياة، وفتحوا أبوابه ليحتضن هذا الحدث الكبير ويعكس صورة مشرقة عن الاستثمار الثقافي والتراثي والترفيهي في المنطقة.

وحين أسدل الليل ستاره، بقي المكان مضاءً بذكريات اليوم. مهرجان الربيان لم يكن مجرد فعالية، بل كان قصة متتابعة جمعت بين البحر والإنسان، بين التراث والحداثة، وبين المجتمع والفرص التطوعية. قصة ستظل تُروى للأجيال القادمة، لتقول إن الاستثمار في المكان يمكن أن يتحول إلى حكاية وطنية تُحكى بلسان البحر وقلوب الناس، وأن التنظيم والإبداع حين يلتقيان، يتركان أثرًا لا يُمحى في ذاكرة الزوار.