المسؤولية وبناء شخصية الفتاة: أثرها على حقوق الزوج وتربية الأبناء
يرى الدكتور إبراهيم الخليفي أن التهاون في تحميل البنت مسؤوليات داخل المنزل جعل تقدير الذات لديها أقل، بينما الأهل يميلون لتكليف الأولاد بمهام وضغوط تُكسبهم قوة وثقة مبكرًا.
https://vt.tiktok.com/ZSfA7hpXg/
وعندما نتأمل هذا الطرح في سياق الحياة الزوجية وتربية الأبناء، ندرك أن أثره يتجاوز مرحلة الطفولة بكثير.
فالفتاة التي تنشأ بلا مهام واضحة داخل بيت أهلها، غالبًا تدخل بيت زوجها وهي تفتقر للخبرة الضرورية لإدارة الحياة اليومية. ليست القضية مجرد طبخ أو تنظيف، بل القدرة على إدارة البيت، وفهم المسؤوليات المشتركة، والتعامل مع الضغوط اليومية التي لا يخلو منها أي زواج. الفتاة التي لم تُدرَّب على تنظيم وقتها أو ترتيب أولوياتها أو مواجهة المشكلات الصغيرة، ستشعر بثقل مضاعف حين تُطلب منها واجبات أكبر، وقد تجد صعوبة في تلبية حقوق الزوج لأنها ببساطة لم تعتد على الاعتماد على نفسها ولا على اتخاذ القرار.
وتنعكس هذه الفجوة على الجانب العاطفي أيضًا. ضعف التجربة المبكرة يجعل البنت أكثر عرضة للتردد، وعرضة لعدم الثقة بقدرتها على إدارة حياتها الزوجية، وهو ما قد ينعكس على العلاقة مع الزوج، وعلى قدرتها على احتوائه وفهم احتياجاته. فحقوق الزوج ليست أوامر تنفَّذ، بل مشاركة، ونضج، وهدوء، واتزان. وكل هذه الصفات تنمو عادة من خلال المسؤوليات الصغيرة التي تُمارسها البنت منذ صغرها، والتي تعلّمها الصبر، والحزم، وحسن التدبير، والثقة في قراراتها.
ويظهر الأثر الأكبر عند تربية الأبناء.
فالأم التي لم تتعلم كيف تتعامل مع المواقف الصعبة، أو كيف تضبط انفعالاتها، أو كيف تتخذ قرارًا سريعًا، ستجد صعوبة في تربية طفل يحتاج إلى حزم تارة وإلى صبر تارة أخرى. وحين تشعر الأم بأنها غير قادرة على إدارة بيتها، سينعكس ذلك على تربيتها؛ إذ تميل إلى التساهل الزائد خوفًا من المواجهة، أو تنفعل بسهولة لأنها لا تملك أدوات التعامل مع الضغط. والطفل يتأثر بهذا الاضطراب، فينمو في بيئة تفتقد الاتزان، ويتعلم هو الآخر أن المسؤولية عبء لا قدرة لديه عليه.
إضافة إلى ذلك، ثقة الأم بنفسها تُترجم مباشرة إلى ثقة أبنائها بأنفسهم. فالأم الواثقة، الواضحة، المرتبة، المنضبطة، تمنح أبناءها نموذجًا قويًا يقلّدونه. أما الأم التي تشعر بالعجز أمام مهام بسيطة، أو الخوف من اتخاذ قرار، فتقدّم لهم صورة مهزوزة يتشرّبونها دون وعي.
ومن هنا يتضح أن تدريب البنت على المسؤولية في صغرها ليس رفاهية، ولا ترفًا اجتماعيًا، ولا تقليدًا قديمًا تجاوزه الزمن. بل هو أساس يدخل في صميم نجاح علاقتها بزوجها، واستقرار بيتها، وتربية أبنائها تربية متوازنة.
فالمنزل هو المدرسة الأولى التي تتعلم فيها البنت كيف تُمسك بزمام حياتها، وكيف تُدير يومها، وكيف تواجه ضغوطًا صغيرة تُعدّها لضغوط أكبر لاحقًا. وعندما تُحرَم من هذه التجارب، تدخل الحياة الزوجية وهي تحمل هشاشة قد تُتعبها وتُتعب من معها.
إن المسؤولية تُنمّي الذكاء العاطفي عند الفتاة، وتزيد قدرتها على التحمل، وتمنحها ثقة داخلية تجعلها أكثر قدرة على التعامل مع زوجها بحكمة، ومع أطفالها بثبات. ومن دون هذا الأساس، تبقى خطواتها في الحياة الزوجية والتربوية غير مستقرة، وقراراتها ضعيفة، وتفاعلها مع الأعباء اليومية أكثر توترًا.
وفي النهاية، فإن ما أشار إليه الدكتور إبراهيم الخليفي يؤكد حقيقة جوهرية:
الفتيات اللاتي ينشأن على مسؤوليات حقيقية يدخلن الزواج بقوة، ويصبحن أمهات قادرات على بناء جيل أقوى. أما التهاون في المسؤولية، فيترك أثرًا طويلًا يظهر في حقوق الزوج، وفي أسلوب التربية، وفي توازن الأسرة كلها.













