آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 9:11 ص

وداعاً يا وارث المنبر.. الشيخ حميد العباس

سوزان آل حمود *

﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ

بقلوب يملؤها الأسى وتفيض بدموع الفقد، نودع اليوم قامةً رساليةً أفنت عمرها في رحاب الإيمان والعلم، إنه الشيخ حميد العباس. لم يكن رحيله مجرد غياب، بل هو صمتٌ مفاجئ لصوتٍ كان يوقظ القلوب، وظلامٌ يخيم على منبرٍ كان يضيئه علمه. لقد كان الشيخ حميد فصلاً مشرقاً في كتاب الوعي الديني، ووداعه اليوم هو وداع لأثرٍ لا يمحوه الزمن.

بين محراب ليلة القدر وعزاء محرم

لقد كان الفقيد روحًا تعشق الخدمة والتفاني في سبيل قضية الحسين . كان قلبه محرابًا، ودموعه دواءً.

نحن اليوم لا نرثي شخصاً فحسب، بل نرثي حضورًا روحيًا سكن أقدس الأوقات.

لقد كنتَ الشاهد على نجوانا ودعواتنا، والموجه لنا في غياهب الليالي المباركة، حيث تركتَ لنا بصمة لا تُنسى في تلاوة دعاء الجوشن، وقدسية الوصال.

تلك الدموع الصادقة التي كانت تمتزج بعبارات الدعاء، كانت تروي أرواحنا وتذكرنا بعظمة الخالق، فكنتَ لنا إماماً في الخشوع.

من سيملأ الفراغ الذي تركته في ليالي الحزن والعزاء؟ لقد كنتَ خادم المنبر الحسيني الذي يحمل همّ الرسالة، ويجدد العهد مع كربلاء في كل عام.

لقد كنتَ يا شيخ حميد، وارثاً حقيقياً لرسالة المنبر، ولن تغيب ذكراك ما دامت راية الحسين مرفوعة.

لقد جسّد الشيخ حميد العباس نموذجاً فريداً للداعية الذي يزاوج بين أصالة الحوزة ورصانة الأكاديمية. لم يكن كفاحه لنيل درجة الماجستير مجرد سعي للقب، بل كان إيماناً بأن العمق العلمي هو وقود الخدمة الصادقة.

لقد واجه مشقة الدراسة وأعباء المسؤولية في سبيل الوصول إلى هذه القمة الأكاديمية، ليثبت أن خادم المنبر لا يستكين عن طلب المزيد من العلم، وأن رسالة الحسين تستحق أن تُقدم بأقوى الحجج وأعمق المفاهيم. وبعد هذا الكفاح والإنجاز، ظل وفياً لساحة خدمته الأولى، مستخدماً عمقه المعرفي في إثراء المحتوى الديني والمجتمعي.

لم يكن تأثير الشيخ حميد مقتصراً على المحاضرات، بل امتد ليشمل نسيج المجتمع بأسره:

أثرى الوعي العام بتقديم مفاهيم دينية بعيدة عن السطحية، مما ساعد على بناء جيل مثقف ومتجذر دينياً.

كان مرجعاً للمشورة، وسنداً للعائلات، ومحباً للعمل الخيري، مما جعل وجوده قيمة مضافة في الحياة الاجتماعية.

إن قصته في الجمع بين الجهد الأكاديمي والالتزام الديني ستبقى إلهاماً لكل شاب يسعى للجمع بين التفوق في الدنيا والفوز في الآخرة.

لقد رحلت عنا جسدًا، ولكن روحك وعلمك وخدمتك باقية في ذاكرة الأمة. سنفتقد صوتك في عزاء محرم، ودموعك في دعاء الجوشن، وتواجدك في محراب التهجد.

وداعاً يا شيخنا، يا من جاهدتَ بالعلم والكلمة والخدمة، نم قرير العين فقد أديتَ الأمانة، وسيبقى أثرك فينا لا يمحوه الغياب.

رحم الله شيخنا الجليل حميد العباس وأسكنه الفردوس الأعلى مع محمد وآل محمد «صلى الله عليه وعليهم أجمعين».