آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 9:11 ص

فلسفتنا … اقتصادنا … حياتنا

المهندس أمير الصالح *

مقدمة

ستيف جوبز، ومارك زوكربيرغ، وبيل غيتس أشخاص مشهورون بمنتجاتهم التقنية المميزة وثرواتهم المليارية الطائلة؛ وهم أشخاص لا يحملون أي شهادات أكاديمية. ألا يطرح هذا سؤالًا في ذهن قطاع عريض من أفراد المجتمعات عن حقيقة صنع العقلية للأشخاص وصناعة الثروة بسبل هي خارج نطاق حملة الشهادات الأكاديمية؟ يبزغ سؤالًا: صنع أدوات اقتصادية ناجحة أهي فلسفة الإنسان الوجودية أم طرق إدارته الاقتصادية أم التنشئة العصامية والإصرار المثابر؟!

في مدارس الفلسفة الإسلامية الحديثة أبدع السيد الراحل المغفور له بإذن الله السيد محمد باقر الصدر في كتابيه ”فلسفتنا“ و”اقتصادنا“ بنسج جُمل أفكار وحاول؛ والكتابان ما زالتا محل تأمل واستنطاق ومنجم أفكار. على الصعيد الشخصي كنت في مقتبل شبابي أردّد ما سمعته من أحد المدرسين للمرحلة المتوسطة لكتاب الثقافة الإسلامية، ومفاده أن الفلاسفة هم أشخاص يعيشون في أبراج عاجية. إلا أنه ومع تقدم العمر وزيادة الوعي وتوسع مساحة الإدراك تغيرت النظرة وأعيدت المراجعة وانعقدت الحوكمة لبعض المصطلحات من التلقين إلى الفهم والفرز. فكنت أحيانًا أعمل أعمال تجسير ثقافي بين مفاهيم فلسفية لبعض المظاهر الاقتصادية لا سيما في أنماط الاستهلاك وإبداعات التسويق. أضع هذه المقالة وهي محاولة مني لربط منظور فلاسفة باقتصاد الاستهلاك بين يدي القارئ الكريم.

الحوار

ربط كلام بعض الفلاسفة ببعض أمر يحتاج تمعّنًا واستنطاقًا صحيحًا، وهذا الأمر يفكك شفرات الفهم المعمق؛ الفيلسوف سارتر يُنسب إليه قول: ”الإنسان مشروعُ وجودٍ يصنع نفسه بنفسه؛“ أي إنك لا تكتشف ذاتك ولكنك تصنعها مع كل قرار تخشاه أو تواجهه أو تقدم عليه؛ وبذلك تتعرف على نفسك وتكتشفها من أكثر من زاوية. وكذلك نمط استهلاكنا يكشف جزءًا من نمط حياتنا وطريقة صياغة قراراتنا، لأن الاستهلاك عبارة عن حزمة قرارات. وهنا تتوارد التعليقات عن صفات شخصياتنا من قبل محيطنا الاجتماعي بناء على تشخيص السلوك الناتج عن القرارات الذاتية؛ وهذا مصداق قول الفيلسوف لاكان عندما قال: ”الحقيقة ليست ما يُقال… بل ما يتكلم من خلالنا دون وعي.“ أي من خلال تصرفاتنا وسلوكنا طبقًا لمشاهدات الموضوعيين الصادقين من حولنا. وهنا نقول للمستهلك الفطن: قوّتك الحقيقية تبدأ حين تفهم أن الحرية ليست فيما تملك… بل فيما تستطيع الاستغناء عنه دون أن تنكسر. وهذا مصداق لكلام الفيلسوف سبينوزا: ”الحرية هي فهم الضرورة“.

الاستهلاك والسلوك

القدرة على العمل، من منظور الفلاسفة، هي طاقة كامنة، ولكن ترجمة تلك القدرة إلى فعل هي إرادة. المستهلك المفرط سُلبت إرادته فينهار أمام إغراء العروض الترويجية بشكل مروع ومفرط. فكما لدينا أشخاصٌ مدمنون على تناول السكاكر أو المسكرات أو المخدرات كذلك لدينا أشخاص مدمنون على الشراء بشراهة مفرطة. في التصنيف الفقهي يصنف الشخص الشره بالشراء أو توزيع المال دون ضوابط بأنه سفيه. والحل، كما نعرفه بالنصّ القرآني: يبدأ بالمسك على يد السفيه ومصادرة قراره في هذا أو ذاك الشأن حتى يثبت العكس وتعديله لسلوكه وطرق عمل قراراته.

التسويق

أضحى التسويق فنًّا مستقلًا وترجمة صادقة لتطبيقات عملية تشمل خليط فنون علمية تشمل علم النفس وعلم الاجتماع والإدارة المالية و… إلخ في استدراج المستهلك أو إقناعه أو استمالته.

الخاتمة

شخصيًا أرجّح كلام الفيلسوف سبينوزا: ”الحرية هي فهم الضرورة.“ والعمل على تلبيتها وليس تلبية الرغبات والنزوات والشهوات. ففي عالم التسويق الذكي يقع المستهلك الساذج فريسة لأساليب السيطرة على الدماغ. لقد بُذلت أكثر من جهة رسمية وغير رسمية جهودٌ كبيرة لترسيخ ثقافة الوعي الاستهلاكي وترشيد سلوك الإنفاق الاستهلاكي والحث على القرض الإنتاجي. فمن شاء… ومن شاء… إحداث الأثر الطيب هو الحياة، والإفراط بالاستهلاك أثر مشؤوم على صاحبه. فإن كان هناك فائض مال أو وقت أو علاقات نافعة أو كتابة صادقة أو ذكاء فليوظف لصنع المبادرات وإطلاق المشاريع ونشر الفضيلة. «أحبَّ الخلقَ إلى الله من نفع عيال الله وأدخل على أهل بيتٍ سرورًا» الرسول الأكرم. أصدر بعض العلماء الجهابذة الأوفياء كتاب ”فلسفتنا“ وكتاب ”اقتصادنا“، فهل تستطيع أنت كتابة كتابك والذي قد يحمل عنوان ”حياتنا“؟