آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 12:03 ص

السعودية وأمريكا بين زيارتين: كيف أعادت السعودية اكتشاف قوتها الاستثمارية

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال

ما أهمية توظيف ”القوة الاستثمارية“؟ وما هي ”القوة الاستثمارية“ للدولة - لأي دولة؟ وما دور هذه القوة في رؤية المملكة 2030؟ وهل هناك مرتكز اقتصادي لتوظيف القوة الاستثمارية؟ وما صلة كل هذا بزيارة سمو ولي العهد إلى الولايات المتحدة؟

كما هو مُعلن، ترتكز رؤية السعودية 2030 على ثلاثة محاور أساسية، ثانيهما ”القوة الاستثمارية“، والتي تُعرّف بأنها قدرة الدولة على تعبئة وتوجيه رأس المال السيادي «الدولي والمحلي» لتحقيق: «1» نمو اقتصادي مستدام، «2» تعزيز النفوذ الجيوسياسي، «3» رفع القدرة التنافسية عالميًا. إذن، القوة الاستثمارية للدولة تتجاوز مجرد حجم الأصول المالية، لتركز على قدرة الدولة في تحويل رأس المال المتاح إلى نشاط اقتصادي وبالتالي إلى قيمة مضافة للاقتصاد، ولهذه القوة الاستثمارية مكونات تُقاس من خلالها، وهي حجم رأس المال السيادي المتاح من خلال الصندوق السيادي واحتياطيات النقد الأجنبي وفوائض الميزانية العامة، وقدرة الدولة على توجيه الاستثمارات استراتيجيًا إلى قطاعات المستقبل كالأنشطة الاقتصادية التقليدية الغائبة كالترفيه والبازغة كالذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات واللوجستيات والدفاع، والنفوذ الجيوسياسي عبر الاستثمار باستخدام العلاقات لكسب الحلفاء وتمركز سلاسل الإمداد والحصول على التقنية المتقدمة، والمرونة والسرعة في اتخاذ القرار وحوكمة الفرص، والقدرة على استيعاب المخاطر طويلة الأجل، وامتلاك الميزة التنافسية لجذب الاستثمارات الأجنبية للاقتصاد المحلي.

وعند التمعّن نجد أن السعودية، في حقبة رؤية 2030، وظفت قوتها الاستثمارية، عن سبق إصرار ووفق خطة محكمة وتوجه استراتيجي طويل المدى وارتكازًا إلى أرضية اقتصادية صلبة، لتحقق نموًا اقتصاديًا مستدامًا عبر: التحول إلى اقتصاد متنوع من اقتصاد أحادي المصدر «حاليًا تساهم الأنشطة غير النفطية بأكثر من 50 بالمائة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي»، وتعزيز تأثيرها الجيوسياسي بنشر استثماراتها في أنحاء العالم، وتحسين قدرتها التنافسية «ارتقى ترتيبها في مؤشر التنافسية IMD من 62 في العام 2018 إلى المرتبة 17 في العام 2025».

فحتى العام 2016 كانت القوة الاستثمارية تُدار تقليديًا، عبر توزيع المساعدات للدول النامية والأقل نموًا، فيما كان تركيز صندوق الاستثمارات العامة مقصورًا على دعم المشاريع الاستثمارية للقطاع الخاص ولاسيما في قطاع البتروكيماويات وفي الشركات الكبيرة المدرجة في السوق المحلية وفي السندات الحكومية. حاليًا «2025» تحول الصندوق إلى أداة استراتيجية نشطة حيث لامست أصوله تريليون دولار ويستهدف أن تصل الأصول تحت إدارته إلى 2 تريليون دولار في العام 2030، أصبح ”محركًا استراتيجيًا“، جل استثماراته محلية، ويُركز استثماراته الخارجية «حوالي 17 بالمائة من الأصول، أو ~160 مليار دولار» على التنويع في الأنشطة غير النفطية «موزعة: 40 بالمائة تقنية، 20 بالمائة طاقة، 15 بالمائة رياضة، 15 بالمائة طيران، 10 بالمائة قطاعات منوعة». وأخذًا في الاعتبار توجه الصندوق للاستثمار في الاقتصاد الأكبر في العالم، فقد بلغ إجمالي استثماراته في أمريكا 170 مليار دولار منذ العام 2017، منها 53 مليار دولار ضخ استثماري جديد في العام 2024، ووفقًا لمصادر الصندوق فقد ساهمت هذه الاستثمارات في خلق أكثر من 170 ألف وظيفة في أمريكا مباشرة/غير مباشرة.

في مايو 2025 خلال زيارته للرياض، أعلن الرئيس ترامب أن السعودية ستضخ 600 مليار دولار على مدى أربع سنوات، عبارة عن استثمارات مباشرة وصفقات تجارية لشراء منتجات أمريكية من القطاعين العام والخاص، مع التركيز على الطاقة، الدفاع، التقنية، البنية التحتية، والمعادن. وطبقًا لما صدر عن البيت الأبيض حينها فإن هذه تمثل أكبر حزمة تجارية تاريخية بين البلدين.

وهكذا، نجد أن قوة الاستثمار السعودية نجحت في تحريك ”المياه“ الاقتصادية الراكدة، فاستقطبت ليس فقط شراكات واستثمارات أجنبية، بل وضعت الاقتصاد السعودي في سياق يمكنه من استقطاب أدوات النمو في المستقبل، وهو مستقبل يعتمد على الابتكار والتقنية في الأساس، وتمكنت من خلال الشراكات مع عمالقة الابتكار والتقنية أن تصنع لنفسها فرصة ولمواردها الطبيعية والبشرية آفاقًا أوسع يتسق مع متطلبات مستقبل محوره ثورة جديدة؛ هي ثورة الذكاء الاصطناعي.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى