آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 9:11 ص

ليس الآن.. ولكن غدا

قوانين الحياة هي مفاتيح التعامل مع العوامل المؤثرة في طريق الإنجاز والتقدم الذي نشقّه ونعمل على تخطّي مراحله المتعددة، وأولاها مبدأ تحمل المسئولية تجاه ما يصدر منا من كلمات ومواقف وتصرفات على أرض الواقع، بعيدا عن اللا مبالاة أو التهرب من المسئولية واللجوء إلى أساليب النكوص والتبرير الوهمي والإسقاط على الغير، كما أن ميدان العمل يحتاج إلى همم عالية تهتم وتقدّر مبدأ العامل الزمني وتقسيم الأوقات وفقا لأهدافنا وقدراتنا بحد الاعتدال، ويواجه الشاب والفتاة حياة الأحلام الفارغة والبناء العنكبوتي الواهي لآماله وطموحاته بما يتجاوز السقوف العالية، وهذا لا يعني وجود الخطأ في مختلف مقدراته وأفكاره بقدر التعامل المتهاون والمتكاسل مع اقتناص الفرص وصنعها، فكثيرا ما ترى شابا يتفتّق حيوية واندفاعا نحو طريق العمل المثابر والحاد ولكنه يعثر بغبار يدخل في عينيه ويفقده الإبصار الجيد، وذلك بسبب ضبابية التسويف وتأجيل إنجاز المهمات والواجبات إلى الغد المجهول وفق تخطيط غير مدروس، والمشكلة تكمن في استقرار هذه الآفة في طريقة تفكيره وتعامله وتبقى ملازمة له تنخر كل طموحاته وتسقطها أرضا دون أن يدرك السبب أو العامل المؤدي إلى مشهدية الخيارة عنده.

تتداخل الأفكار فتوقع نوعا من الخلط والإيهام وذلك بالاعتقاد أن التسويف وترحيل الخُطى إلى موعد غير معروف هو نوع من الراحة المطلوبة بعد إنجاز عمل شاق يستحق بعده هذه الجائزة، وكأن الزمن سيظل واقفا ينتظرنا وصباح الغد قادر دائما على حمل ما عجز الأمس واليوم عن احتماله، لكن الحقيقة أن الزمن لا يقف لأحد، بل نحن الذين نتوقف عن السير ونُقنع أنفسنا بأن الطريق لا يزال طويلا وأن القدرة على الركض ستأتي حين نشعر بأننا مستعدون، وهكذا ومع مضي الزمن نتحوّل إلى رواد في ضرب المواعيد المؤجلة في حياتنا دون استشعار الخسارة الفادحة بما يلحق بنا من تأخر، وبلا شك أن للوالدين والأسرة التعليمية دورا مهما في صناعة شخصية الطفل منذ الصغر على تلافي هذه الآفة، حيث يحاول تأجيل المذاكرة والقراءة وأداء الواجبات المنزلية حتى يتحوّل إلى برمجة في ذاكرته تورثه المتاعب والآثار السلبية.

ولعل البدايات لأي فكرة أو مشروع دراسي أو مهني تحمل معها المخاوف من التعثر، مما يدعوه إلى لملمة أوراقه وإغلاق هذه الخطوة وترحيلها إلى الغد بحجة دراسة الأمر بشكل أفضل، ولكنها إرهاصات الخطوة الأولى وتحمل معها المخاوف بحدها الطبيعي والجيد، وذلك أنه يؤدي إلى الحرص والانتباه وتصحيح الأخطاء وأوجه التقصير، والبعض يقف في منتصف الطريق بعد أن يقع في حيرة وتشظّي في فكره، فهناك صورة الإنسان الذي يحلم بما يكوّنه وينفّذه وبين صورة الإنسان الذي يسمح للخوف أن يشكّله، وفي المنتصف يسمع صوت النفس الضعيف يهمس بقوة: ليس الآن… ولكن غدا!!