آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 9:11 ص

حميد: سيفٌ لم يُغْمَد، وعهدٌ لم يُنقَض

أحمد شهاب *

لا يرحل حقًا من صاغ من حياته منحةً للآخرين. فثمة أشخاص لا يغيبون، لأن حضورهم يتحول إلى سكينة دائمة في قلوب من عرفوهم. كان الأستاذ والأخ والصديق حميد السيف من أولئك القلائل الذين اختزلوا معنى العطاء في أبسط صوره، بلا ضجيج، وبلا انتظار لمكافأة.

ترك لنا أبو مقداد إرثًا ثلاثي الأبعاد: سكينة تشبه ماء النبع في طمأنينته، وعطاءً كشجرة الظل لا تمنع ظلها عن أحد، وكرامة صامتة تعلّمنا أن القيمة الحقيقية تكون حيث لا صخب. في زمن يلهث فيه الكثيرون وراء الأضواء، كان هو ينساب كنسيم هادئ، يروي من حوله بعلمه وأخلاقه دون أن يرفع صوته.

أذكر كيف كان يقرأ نصوصي قبل نشرها، فيهمس بكلمات قليلة كالنقش على البلور: ”هنا تحتاج إلى إضاءة“، أو ”هذه الفكرة تستحق التحليق أبعد“، أو ”لا تقف عند السطح، حاول أن تتعمق أكثر“. لم يكن يصحح النص، بل كان يضيء المساحات بين السطور، كان عطاؤه تشذيبًا للفكرة، وتنقيةً للروح.

مع الوقت، أدركت أن هدوءه لم يكن انطواءً، بل حكمة اختارت الصمت مدرسة. كان يدرك أن الضجيج لا يخلق أثرًا، وأن الكرامة تكمن في القدرة على العطاء دون انتظار مقابَل. في أيامه الأخيرة، زاد تواصله كشمس الغروب التي تمنح دفئها الأخير، وبضحكته المميزة التي تمنحك الشعور بالأمان، كأنه كان يودعنا بطريقته الخاصة لا بالدموع، بل بالمعنى.

رحل الأستاذ حميد السيف جسدًا، لكن إرثه من السكينة والعطاء والكرامة الصامتة يزداد حضورًا. أصبح بغيابه حاضرًا أكثر من أي وقت مضى - حضورًا يؤكد أن البقاء الحقيقي ليس في طول العمر، بل في تحول الإنسان إلى قيمة أخلاقية تتناقلها الأرواح. لقد غادر الجسد، لكن السكينة بقيت.


باحث كويتي