آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 12:03 ص

درس القيم البحرينية الأصيلة والنبيلة

حسن المصطفى * صحيفة البلاد البحرينية

في لحظة من أنقى لحظات الإيمان والتسليم المطلق والعفو عند المقدرة، وقفت عائلة الطفل البحريني حسن علي المحاري أمام فاجعتها الكبيرة، ليعلن الأبُ عبر بيان سيبقى علامة في الضمير المجتمعي، أنه وجد ”العفو في مثل هذه الحالة هو قرار إيمان لا قرار عاطفة“ مختصرًا بهذه العبارة فلسفة الصبر، من تنظير كلامي إلى فعل عملي، حيث تحولت ”المأساة“ إلى عبادة خالصة، رغم شدة الألم وهول الفقد.

قرار العائلة المكلومة لم يكن تنازلًا عن الحق، بل تجسيدًا لما يمكن وصفه بـ ”العدالة الروحية“ التي ترتبط بسمو النفس وتعاليها عن الانتقام؛ إذ قال البيانُ بوضوح ”لا أنكر حقي، ولا أبرئ الخطأ، ولكنني أختار أن أترك الحكم لله وأحتسب الأجر عنده“. إنه وعي بأن القصاص لا يعيد ابتسامة الطفل الذي تحنُ له والدته ويشتاق له أبوه، وأن الرحمة يمكن أن تبني مجتمعًا أصفى قلبًا وأقرب إلى روح القيم الأخلاقية السامية، وتمثلات الشريعة المحمدية السمحاء.

تفاعل البحرينيون مع هذا الموقف بإجلالٍ كبير. لم يُنظر إليه كحادثة عابرة كأية واقعة تحدث بين فينة وأخرى، بل كدرس أخلاقي يُعيد تعريف القوة بأنها القدرة على الصفح لا الانتقام، والقدرة على التجاوز عوض البقاء في ظلمة الفقد. عتمةٌ خرج منها الأبوان عبر نور الرحمة والدفع بالتي هي أحسن، وهما بذلك يذكران المجتمع البحريني بقيمٍ عليا توارثتها الأجيال: التسامح والتعاضد.. ولذا، عليه أن يتمسك بهذه الأخلاقيات ويرسخها، فهي الملاذ للخروج من المآزق والمشكلات التي تواجهه. العائلة الكريمة في بيانها لم تكتفِ بالعفو؛ بل دعت إلى إصلاح مؤسسي حين قال الأب ”أناشد الجهات المعنية أن تعمل على إصدار تشريع يُلزم المدارس ورياض الأطفال بالتواصل مع أولياء الأمور عند غياب أي طفل“، داعيًا في ذات الوقت ”كل من يتصدى للمسؤولية أن يتحملها بصدق وأمانة“، ف ”الأرواح ليست مجالًا للاجتهاد أو الإهمال“، مطالبًا ”من لم يكن للأمانة بقدرها، فليتنحَّ عنها“.

موقفٌ يتجاوز الحادثة الأليمة إلى كونه درسًا في المنهجية والضمير، لعلَ من عبثَ بهم الزمن، أن يعوا ويتبصروا، ليزدادوا حكمة وتساميا على الصغائر والأحقاد.