آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 9:11 ص

نادي الخليج بين لندن وباريس

سراج علي أبو السعود *

يمكن للمال أن يمنح صاحبه كثيرًا من أسباب القوة والرفاه، لكنني كثيرًا ما أشك في قدرته على صناعة الإبداع. صديقنا العزيز علي شاكر يقول: «اللي ما يعرف يسافر يروح لندن وباريس»؛ وأظنّه يقصد أن القدرة المالية العالية قد تلغي الحاجة للتفكير خارج الصندوق، وتمنح صاحبها مبرّرًا لعدم البحث عن خيارات أقل تكلفة وأكثر متعة. وينسحب هذا المفهوم على الرياضة أيضًا؛ فالنادي الذي يمتلك ثروة هائلة يستطيع شراء لاعبين بمبالغ طائلة، وحتى إن أخفق في اختياراته، فإن المال يمكّنه من إعادة المحاولة مرارًا دون عناء. أمّا الجمهور الرياضي، ففي الغالب لا يرى إلا مقياسًا واحدًا للنجاح: تحقيق الانتصارات. ولهذا يصفون من يحصد البطولات بأنه مدير ذهبي، رغم أن ما حققه سببه المال والمال فقط، وهو - بالنتيجة - لا يختلف كثيرًا عن المسافر الذي يكتفي بلندن وباريس لأن المال يتيح له ذلك، فيغضّ طرفه عن بقاع أجمل تستحق الاكتشاف لأنه ببساطة لا يفكر خارج الصندوق.

في اعتقادي أن نادي الخليج في سيهات هو من أفضل الأندية السعودية. فهو ليس من أندية الصندوق ولا من أندية الشركات الكبرى. وبالنتيجة لا يملك المال الذي يمكّنه من استقطاب نجوم العالم، لكنه يمتلك ما هو أعمق وأهم من كل ذلك: فكر إداري ناضج، يعرف كيف يستثمر موارده المالية المحدودة استثمارًا مثاليًا، فيحقق أقصى ما يمكن تحقيقه ضمن إمكانياته الواقعية. وأحد ثمار هذا الفكر ما يحققه الخليج هذا العام 2025 في دوري روشن؛ فحتى كتابة هذه السطور، يتخلف الخليج بنقطتين عن النادي الأهلي؛ بطل نخبة آسيا والسوبر السعودي، الفريق الذي يضم محرز ورفاقه من الأسماء الباهظة. كما يتقدم على الاتحاد؛ بطل الدوري والكأس في الموسم الماضي، الفريق الذي تعاقد مع بنزيما ورفاقه بميزانيات عالية. وقبل ذلك، كان الخليج هو الفريق الذي أوقف سلسلة انتصارات الهلال في العام الفائت؛ تلك السلسلة التي لم تتوقف إلا على يديه. ما أجمل الخليج وما أروع لاعبيه. وما أبهى تلك الإدارة الكبيرة، الهادئة، المبدعة، التي تصنع التفوق بصمت وذكاء. إنني على يقين بأن إدارة هذا النادي ستحتفل - في زمن ليس ببعيد - ببطولات مبهرة في كرة القدم. وأمّا كرة اليد، فلا غرو إن قلت إنهم ملوك اللعبة الذين لا ينازعهم على عرشها أحد.

الإبداع - كما أراه - ليس في النتيجة وحدها، بل في الفارق بين الماضي والحاضر. فليس إنجازًا أن يبني ثريٌّ قصرًا فخمًا؛ المال كفيل بأن يشيده كيفما شاء. أمّا أن يبني شخص بيتًا رائعًا يضم كل ما في القصر من مظاهر الرفاه وبتكلفة محدودة فذلك هو التميز الحقيقي. وهكذا فعل الخليج. فمن خلال إدارة محكمة لموارده المالية، شاد بناءه الرياضي المتين، وصاغ هندسته الإدارية بإبداع. والفضل في ذلك - بعد توفيق الله - يعود إلى الحنكة الإدارية التي جعلت من الخليج نموذجًا متفرّدًا. وفي تصوري، إذا واصل الخليج هذا النهج الحكيم، فإن طريق البطولات سيكون مفروشًا له بالورد. وسيظل دائمًا مدرسة راسخة في علم الإدارة الرياضية؛ مدرسة يُحتذى بها ويُتعلّم منها. مدرسة غير تقليدية تختلف كثيرا عن ثري لا يعرف من جمال الدنيا إلا لندن وباريس.